تاريخ النشر2018 24 January ساعة 14:51
رقم : 307800

ما هي حقيقة الموقف الروسي من العملية التركية في عفرين؟

تنا-بيروت
تحتار الأوساط المتابعة في فهم حقيقة الموقف الروسي من العملية العسكرية التي تشنها تركيا في الشمال السوري، والتي تستهدف فيها منطقة عفرين كجغرافيا، والكانتون الكردي الغربي كمشروع، وفيما تعتبر بعض هذه الاوساط ان الروس مخطئون في موافقتهم على العملية كونها تشكل اعتداءً واضحاً على سوريا، يعتبر البعض الآخر أن الرئيس بوتين وجد في العملية التركية فرصة استراتيجية لتوجيه الحل في سوريا تبعا للمخطط الذي رسمه.
ما هي حقيقة الموقف الروسي من العملية التركية في عفرين؟
صحيح ان ما يحرك الموقف الروسي في سوريا بالاساس هو مصالحهم ومقتضيات امنهم القومي، ومحاربة الارهاب كانت في صلب هذه الاهداف، بالاضافة لامتلاكهم نقطة ارتكاز استراتيجية على السواحل الشرقية للمياه الدافئة في البحر المتوسط، ولكن هذا كله لم يتعارض يوما مع دعمهم اللامحدود لسوريا، دولة وجيشا وحكومة ورئيسا، وهذا الموضوع دفعهم للدخول في حرب غير سهلة، تعرضوا فيها لانتقادات واسعة من قسم كبير من المجتمع الدولي، كما وانها كلفتهم شهداء ومصابين من وحداتهم العسكرية، وكلفتهم قدرات مادية ولوجستية وعسكرية ضخمة، وخاصة ان روسيا وقواعدها العسكرية بعيدة جغرافياً عن الميدان السوري، وهي، وهذا هم المهم، لا تستفيد ماديا من جهات "مانحة" كما هي الحال مع الولايات المتحدة الاميركية، التي تتكفل الدول الخليجية المعروفة بتأمين المبالغ الضخمة لتغطية تكاليف حروب الاخيرة بالكامل في المنطقة وخارجها.

في الحقيقة، صحيح ان روسيا تعارض العملية في العلن وفي المحافل الدولية، وتدعم موقف الدولة السورية ايضا، والتي اعتبرت ان العملية عدوان صريح على الاراضي وعلى السيادة السورية، ولكن من غير المستبعد ان تكون روسيا قد استدرجت الاتراك للدخول في مستنقع عفرين، وذلك تبعا للمعطيات التالية:

 عسكرياً
- ترى روسيا من منظارها المُدرك والعالم بتفاصيل وجزئيات الميدان في الشمال السوري، ان معركة عفرين لن تكون سهلة من الناحية العسكرية، فهي تعلم جيدا ان وحدات الحماية التركية، والمطعّمة بمقاتلين اشداء من حزب العمال الكردستاني، سيقاتلون بشراسة للدفاع عن منطقة عفرين، كما وتعلم انهم يستفيدون من اسلحة اميركية متطورة ونوعية وفاعلة، اقلها صواريخ مضادة للدبابات، من نوع "تاو" الجيل الثالث وربما الرابع البعيد المدى، وانهم ايضا يملكون مجموعة كبيرة من صواريخ الكورنيت الروسية الصنع، والمعروفة بفعاليتها في مواجهة دبابات الميركافا الاسرائيلية في الاعتداءات على لبنان.

- لا يخفى على الروس ايضا ان عماد الوحدات البرية المتدخلة في عملية غصن الزيتون هو من مسلحي درع الفرات ومن مجموعات اخرى تقاتل ضد الدولة السورية في جبهات ادلب الكبرى، وهذا ايضا سيكون لمصلحة الجيش العربي السوري في تشتيت هذه المجموعات واضعافها في مواجهته، وخاصة ان الاخير يقود حاليا معركة حساسة ومفصلية في ريف ادلب الجنوبي الشرقي، ومن المرتقب ان يوسعها الى ارياف اخرى.

- يرى الروس والدولة السورية ايضا، ان اي استنزاف للفريقين المتواجهين على الارض في عفرين، نتيجة ضغوط الميدان وتوازن القوة تقريبا بين الاثنين، سيؤدي لمصلحة دخول الجيش العربي السوري الى عفرين، حيث سيكون ذلك مخرجا للاتراك، على اساس ان ذلك يقضي على الحالة الانفصالية الكردية في عفرين، ومخرجا ايضا للاكراد إذ ان مصلحتهم، وبعد فقدانهم السيطرة على عفرين، تكون في وجود الدولة السورية وليس في وجود الاتراك ومجموعاتهم المسلحة المتخاصمة والمتقاتلة معهم.

استراتيجياً
- لا شك ان القرار التركي بمهاجمة الحالة الانفصالية الكردية في عفرين، من دون معارضة فعالة من الاميركيين، سوف يغضب قوات سوريا الديمقراطية التي هي اساس هذه الحالة الانفصالية وقائدتها، وبما أن "قسد" تُعتبر الحليف الاساس للاميركيين في سوريا، سيشكل غض النظر الاميركي عن عملية غصن الزيتون، مشكلة بين الحليفين، الامر الذي سيكون لمصلحة روسيا ولمصلحة الدولة السورية بشكل خاص.

- من ناحية اخرى، يرى الرئيس الروسي، ومن خلال نظرته الاستراتيجية العميقة، كلاعب شطرنج متميز، انه حتى في نجاح الاتراك في الدخول الى عفرين، سيكون ذلك لمصلحة الدولة السورية اكثر من تثبيت الحالة الانفصالية الكردية واعطائها الشرعية الدولية بطريقة غير مباشرة، في حال الوقوف بوجه الاتراك ومنعهم من إكمال المنطقة الآمنة في الشمال السوري، والقضاء على "الارهاب" كما يدعون، والمتمثل بحزب العمال الكردستاني.

- من ناحية اخرى، ومن منظار فهمهم الواسع للمشكلة السورية ولمسار الحل الممكن، يرى الروس ان لتركيا دوراً اساساً في توجيه وترويض واسكات اغلب المجموعات المسلحة التي تؤثر في الميدان السوري، والتي مطلوب منها ان تكون معتدلة وتنخرط في المفاوضات، ما بين سوتشي واستانة وجنيف.

 اذاً، للاسباب وللمعطيات المذكورة اعلاه، ومن المنظار الروسي، لماذا ازعاج الاتراك ومعارضتهم في الملف الاكثر حساسية بالنسبة لامنهم القومي، وبالنسبة لسياستهم داخل تركيا وخارجها، اي الموضوع الكردي وأحلامهم الانفصالية المدعومة اميركيا؟ ولماذا تفويت الفرصة على نشوب خلاف وتوتر بين الاميركيين وقوات سوريا الديمقراطية؟ وخاصة ان فرصة انسحاب الاتراك من عفرين وتسليمها للدولة السورية لاحقا، ستكون اكبر من فرصة خضوع الاكراد المنتصرين في عفرين للدولة السورية، ولا سيما ان الولايات المتحدة الاميركية حينها ستستغل تلك اللحظة وتثبّت اكثر مخططها لتفتيت سوريا؟
https://taghribnews.com/vdchvqnxv23nv6d.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز