تاريخ النشر2018 11 January ساعة 17:15
رقم : 304921

ما هي الكمبيوترات الخارقة؟‎

تنا-بيروت
هل تساءلت في يومٍ من الأيام أين يوجد أسرع كمبيوتر في العالم؟ كم تبلغ سرعته؟ ما هي مواصفاته التقنية؟ وفي ماذا يستعمل؟ أهلاً وسهلاً بك إذاً في عالم الكمبيوترات الخارقة، أو ما يعرف أيضاً بـ «High Parallel Computing»
ما هي الكمبيوترات الخارقة؟‎
أحمد عودة

لنفهم الكمبيوترات الخارقة، لا بد أوّلاً أن نفهم الكمبيوترات العادية، التي نستخدمها يومياً، من الناحية التقنية ولو بشكل مبسط جداً لمعرفة تاريخ التطور الذي لحق بها عبر عقود من الزمن. يمكن تشبيه وحدة المعالجة المركزية (CPU) الموجودة داخل معظم الأجهزة الإلكترونية التي تتطلب أداءً عالياً في الكمبيوتر بالعقل البسيط، وهي تشكل النواة الأساسية التي تكوّنه وتقود فعالياته. هذا العقل البسيط يعالج البيانات التي تتضمنها البرمجيات عبر تنفيذ عمليات حسابية لإنتاج بيانات جديدة ذات فائدة.

وفي سبيل ذلك، لا بد من وجود ذاكرة حية (RAM) على مقربة من وحدة المعالجة المركزية لتخزين البيانات الآنية أو الدائمة (البيانات الناتجة مثلاً) بسرعة كبيرة أيضاً. النظام الذي يدعى «نظام العدّ الثنائي» (Binary system) مستخدم عملياً كلغة ترميز للبيانات (الصفر والواحد) في كل الحواسيب الحديثة بسبب سهولة تنفيذه مباشرةً في الإلكترونيات الرقمية. وبناءً عليه، يمكننا ربط سرعة الكمبيوتر أساساً بسرعة الدماغ البسيط، أي الـ CPU، في معالجة البيانات، وبسعة الذاكرة الحية (RAM).

نهاية قانون مور

بعد طرح شركة إنتل لأول معالج (4004) في الأسواق عام 1971، الذي كان يحتوي على 2300 ترانزستور صغير، ويعمل بسرعة 108 كيلوهرتز، صدق توقّع غوردن مور، أحد مؤسسي شركة إنتل في ما يخص مسار تطوّر شرائح المعالجات في الأعوام القادمة. وطبقاً لقانون مور، قوة المعالجة ستتضاعف كل عامين، إذ سيزداد عدد الترانزستورات التي يمكن تجميعها في رقائق السليكون مع إبقاء سعر الشريحة وحجمها على حالَيهما. لم يكن توقع مور كمثيله من توقعات المنجمين، إذ إن معالجات إنتل بدأت تصبح فعلاً أكثر قوة وفعالية بالاعتماد على قانونه (لم تكن شركة واحدة تحتكر صناعة المعالجات، بل تنافست عدة شركات في ذلك، لكن شركة إنتل هي الرائدة في هذا المجال)، إذ توالت لاحقاً أجيال من المعالجات أكثر سرعةً وحداثةً وأقلّ استهلاكاً للطاقة.

لكن منذ أكثر من عقد من الزمن بدأت الأصوات ترتفع متسائلةً عن مستقبل قانون مور، إذ وصلت أحجام الترانزستورات إلى مستوى يصعب الاستمرار في تصغيرها، خصوصاً إذا ما أخدنا بالاعتبار مشكلة استهلاك الطاقة أيضاً. فقد صرحت شركة إنتل آنذاك بأن زيادة سرعة المعالجات ذات الأنوية الأحادية (Singlecore: أي التي تحتوي على وحدة معالجة مركزية واحدة) بزيادة ترددها (Frequency) صار صعباً للغاية بسبب الارتفاع الملموس في حرارتها أثناء إنجازها المهمات المختلفة واستهلاكها الزائد من الطاقة.


التنقيب عن النفط...

نتيجةً لذلك، فكر المهندسون في تصميم معالجات ذات أنوية متعددة (Multicores: تحتوي بالتوازي على عدد من وحدات المعالجة المركزية). هذا الأمر يمكّن من معالجة مهمات مختلفة بتردد منخفض (Low Frequency) واستهلاك طاقة أقلّ (Low Power Consumption) لكل نواة في المعالج، وبالتالي زيادة فعاليتها وسرعتها. لتوضيح المسألة: فلنتخيل أنّ عامل بناء يريد نقل قطع إسمنت من مكانٍ إلى آخر، ألن يكون الأمر أكثر سرعة وفعاليةً وأقلّ إرهاقاً عليه لو انضم إليه ثلاثة عمال آخرين، وأدى كل واحد منهم المهمة نفسها بالتوازي؟

كمبيوتر لحل المشاكل الكبرى

فكرة تعدد النواة داخل المعالج تمكّن إذاً من توفير الوقت والمال وحلّ الكثير من المشاكل الكبيرة والمعقدة جداً التي من غير العملي أو حتى من المستحيل معالجتها عبر جهاز كمبيوتر شخصي واحد، خاصة إذا ما نظرنا إلى ذاكرة الكمبيوتر المحدودة وإلى محدودية سرعة المعالجات. على سبيل المثال، يمكننا ذكر مشاكل التحدي الكبرى (Grand Challenge) التي تتطلب «بيتافلوبس» (PetaFLOPS تساوي 1015 عملية حسابية في الثانية) للتنبؤ بالطقس والمناخ، دراسة الفلك والفضاء، عمليات الاندماج النووي، الحروب الإلكترونية، المحاكاة، تصميم الطائرات، محركات البحث على الإنترنت، البيانات الضخمة (Big Data)، قواعد البيانات، صناعة الصواريخ، التنقيب عن النفط، الرسومات العالية الدقة... هذه المشاكل يتطلب حلها كمبيوترات خارقة تحتوي على آلاف بل ملايين وحدات المعالجة المركزية، وهذه الكمبيوترات تطوّرها الحكومات في عدد من الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان وأوروبا طبعاً.

حالياً يجري استخدام ما يعرف بالمعالجة المتوازية (Parallel computing) على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، إما من خلال استعمال المعالجات الموجودة على الكمبيوترات الشخصية للأفراد والشركات الصغيرة التي تحتوي على عدد صغير من وحدات المعالجة لتسريع خوارزميات تحتاج إلى معالجة في الزمن الحقيقي، كخوارزميات الرؤية الحاسوبية؛ أو من خلال استعمال الشركات العملاقة والوكالات التابعة للحكومات الكمبيوترات الخارقة لمعالجة مشاكل كانت في الماضي تحتاج إلى سنوات، وباتت معالجتها اليوم تحتاج إلى أيام فقط.

تصميم هذه الخوارزميات وزرعها وتشغيلها في الكمبيوترات الخارقة يحتاج حتماً إلى فهم عميق لهيكليات هذه الكمبيوترات وإلى لغات برمجة محددة. لذلك جرى تطوير، ولا يزال، عدد من الواجهات المفتوحة المصدر من قبل مراكز أبحاث رائدة في هذا المجال لتسهيل تصميم الخوارزميات بالشكل الذي يمكن تشغيلها على هذه الكمبيوترات. يمكننا هنا الحديث عمّا يعرف بـ (OpenMP (Open Multi-Processing و (MPI (Message Passing Interface. عادةً، ننطلق من خوارزميات حاسوبية مكتوبة بطريقة تسلسلية واحدة مصممة للتشغيل على وحدة المعالجة المركزية، ونقوم بتغييرها لتعمل على كمبيوترات متعددة النواة، هذه النقلة هي في أغلب الأحيان صعبة وأكثر تعقيداً وتحتاج إلى إلمام بما يعرف بالبرمجة المتوازية ولغات البرمجة بطبيعة الحال.

إذاً، الكمبيوترات الخارقة هي عبارة عن كمبيوترات تمتلك موارد هائلة جداً، تستخدم لمعالجة كمّ هائل جداً من البيانات، ولها القدرة على تخزين كمّ هائل جداً من البيانات والمعلومات.
https://taghribnews.com/vdcir5apzt1au32.scct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز