تاريخ النشر2018 11 January ساعة 13:41
رقم : 304865

رسـالة إلى الشـعب الإيراني الكريم

تنا
وجه الدكتور تاج الدين الهلالي احد كبار علماء الازهر و مفتي المسلمين السابق في استراليا رسالة إلى الشعب الإيراني في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدتها الجمهورية الإسلامية في إيران مسلطاً الضوء على المؤامرات التي تحاك ضدها والدوائر التي تتربص بها.
رسـالة إلى الشـعب الإيراني الكريم
 وجه الدكتور تاج الدين الهلالي احد كبار علماء الازهر و مفتي المسلمين السابق في استراليا رسالة إلى الشعب الإيراني في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدتها الجمهورية الإسلامية في إيران مسلطاً الضوء على المؤامرات التي تحاك ضدها والدوائر التي تتربص بها.

وفيما يلي نص الرسالة:

حـقًّا إنني مواطن مسـلمٌ سـنيٌّ عربيٌّ مصريٌّ أسـتراليٌّ من حيثُ الهُوية والعرقية والإنتماء... بَـيْـدَ أن عقيدتي الاسلامية تُخوّلني بأن أتوجه لإخوتي في العقيدة والدين أبناء الشعب الإيراني المسلم الكريم على مختلف مذاهبهم، ومشاربهم، وأصولهم، وفروعهم.. فُرْسـا – وعَربا – وأكرادا – وأتراكا – وتركمانا.... وسائر مكوناته الوطنية بلا استثناء.. لأن الدين النصيحة، والذكرى تنفع المؤمنين.... وهناك حِكمةٌ تقول: إذا أردت معرفة موطن الحق.. فتتبع سـهام الباطل إلي أين تُوجَّه.. فَثَـمَّ هناك،، ولما رأيتُ سهام الصهاينة والمتصهينين، تُصوَّبُ وتُوجَّه نحو (الجمهورية الإسـلامية الإيرانية) وتتكالب، وتتآمر، وتتآلب وتجتمع على محاصرتها ومحاربتها لتبديد قوتها، وتمزيق وحدتها... أدركتُ عقلا ونقلا أن قوى الشـر والإسـتكبار، ما كانت لتتعاون إلا على محاربة الحق وأهله.

الأمر الذي يوجب علينا من مسـئولية شـرعية أن نذكر حضراتكم بماضيكم وحاضركم وما يُحاكُ لكم لتأخذوا حذركم وتحافظوا على وطنكم مذكرا بما يلي:

أولا: أن الإسـلام قد أخذ طريقه إلى إيران منذ عام (21 هـ) حيث هاجرت إليها جموعٌ عربيةٌ مع بداية الفتوح الإسلامية واستقرت واستوطنت في المدن الإيرانية وفي مقدمتها مدينة (قم) التي تأسَّـسـت بسواعد الأشـاعرة السـنة، واختلط الدمُ العربي بالدم الفارسي ممزوجا بعقيدة الدين، وأخوة الايمان، وخرج من بلاد فارس قادة وفاتحين لنشر راية الحق والدين أمثال أبو مسلم الُخراساني، ومسلم بن نصير وغيرهما ومن الأئمة العرب الأعلام من آل البيت عليهم السلام الذين عاشوا وماتوا ودُفنوا تحت ثراها الإمام الثامن (علي بن موسى – الرضا) عليه السلام الذي أقام في خراسان ومات بها ، وبمشهده سُـمَيت مدينة (مشـهد) بينما دُفنت شـقيقته السيدة / فاطمة المعصومة (ع) بمدينة قُـم مع عدد من بنات الأئمة الأطهار.. ولقد خلع الإيرانيون رداء العرقية الفارسـية، والعصبية الجنسية، والجاهلية المجوسـية تماما كما خلع المصريون رداء الوثنية الفرعونية، وخلع أهل الشام رداء الرومية الصليبية.. وارتدى الجميع رداء العقيدة الإسلامية، وتوشَّـحوا وسام الأخوة الإيمانية [ لو أنفقت مافي الأرض جميعا ماألَّفت بين قلوبهم ولكنَّ الله ألَّف بينهم].

ثانيا: تؤكد الحقائق والأحداث التاريخية أن شـاه إيران كان رجل الشرطة الأول الموالي لأمريكا وراعي مصالحها في المنطقة، وأنه كان من أشـد الناس عداوة للدول العربية، وأول حاكم مسلم يعترف علانية بدولة إسرائيل، ولما قام (ليفي أشكول) رئيس وزراء الكيان الصهيوني بزيارة ايران في يونيو 1966م والتقى الشاه للتنسيق والتعاون على ماتنوي اسرائيل القيام به من حرب على مصر والدول العربية عام 1967 م أعلن الشاه عن قيام علاقة ديبلوماسية كاملة بين ايران واسرائيل، وأمدها بكل ماتحتاجه من بترول، واعتبر انتصاراسرائيل على العرب انتصارا له شخصيا.. كما أنه كان الآمرُ الناهي، والطاووس المُدلَّل لدى أنظمة الخليج (الفارسي) جميعا يدينون له بالولاء والطاعة، والخضوع والخنوع.. ويتعامل معهم بكل عنجهية وجبروتية واحتقار.. كما لاننسى دور [ إيران، والسعودية ] الواحد المُوحَّد على نصرة ودعم وتأييد النظام الملكي في (اليمن) وتعاونهما على إخماد الثورة اليمنية , ومواجهة الرئيس / جمال عبد الناصر الداعم للثورة اليمنية ضد الرجعية الملكية، كما أن الشاه قد أرسل قوات إيرانية لحماية الحدود السعودية تحسبا لأي مخاطر لمغامرات القوات الناصرية.

ثالثا: عندما فجَّـر الشـعبُ الإيراني ثورته الإسلامية، بقيادة علمائية ربانية، رافضة للتبعية وللمنظومتين الشرقية والغربية، وانتصرت المرجعية الفقهية على الطاغوتية الشاهنشاهية، وأطاحت العمامة العرفانية بتاج الملكية، وحطَّمت العَصاةُ رؤوس العُصاة.. أعلنت مع بدايتها (اليوم طهران . وغدا فلسطين) وقامت بطرد البعثة الإسرائيلية وأسـلمت مقرها لمنظمة التحرير الفلسطينية، وطالب قائد الثورة بضرورة توطيد وتحسين العلاقات مع جيرانهم وإخوانهم العرب، ومد جسور التعاون مع جميع دول العالم باستثناء اسرائيل ومن يقف معها.

رابعا: تأكيدا على إسلامية الثورة الإيرانية انتهجت فكرة ونظام (ولاية الفقيه) لا ككهنوتية، أو بابوية دينية متسلطة.. وإنما وفق مؤسسات علمية عصرية، تقوم على الخبرات والكفاءات وفي شتى المجالات الحياتية أخذا بأسباب ومقومات عالم الشهادة بلا حيْف ولا خيْف ولا قهر ولا سـيْف بفهم مستنير للحكمة القائلة الاسلام عبادته سياسة، وسياسته عبادة وأن الإسلام موضوعه الدنيا وثمرته الآخرة والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.... فماكان لأعداء الإسلام وأدعيائه على السواء ليقبلوا بهذا الفهم العِزَّوي الجديد لآنهم لايريدون شعوبا حـُرّة أبية بولاية الفقهاء.. بل يريدون شعوبا ذليلة مستَعبَدة يقودها العملاء والسفهاء , ومن ثمَّ.. فإنهم حاولوا إخمادَها والقضاء عليها بحرب السنوات الثمانية المفرضة المشئومة، وأقاموا حولها الحصار وشواهق الأسوار، ثم تبين لهم ولعملائهم أنها دولة (شيعية – فارسية – مجوسية – استعمارية – رجعية)... الخ هذه التراهات والإفتراءات .

 

ثم كانت المواجهة الأخيرة للمشروع الخوارجي الدموي التكفيري لداعش وأخواتها هذا الخطر العابر للقارات الذي أوجدوه لخدمة المشروع الصهيوأمريكي لو قدر له التمدد والانتصار لأهلك الحرث والنسل بقتل العباد وخراب البلاد فقيَّض الله الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمواجهته فأعزها الله بالإنتصار، والحق به الهزيمة والانكسار والانحسار وهو في الحقيقة هزيمة لأمريكا وإسرائيل وأذنابهما فكان لزاما أن يدفع الشعب الإيراني الثمن عن طريق اعلان الحرب الخارجية والفتن الداخلية

خامسـا: من أشـد وأخطر أنواع الأسلحة التي يواجهون بها ثورتكم الاسلامية (سلاح المذهبية) لمواجهة مشروع (ولاية الفقيه) بمشروع (ولاية السـفيه) أعني ولاية العهد الذي يستمد مشروعيته من أول بدعة يزيدية طاغوتية كما يعتمد في بقائه ووجوده على حماية القوى الاستكبارية الغربية " فحشدوا لهذه الفتنة أبواق السلطان، وعملاء الطغيان، وسماسرة الشر والشيطان ليكون الصراع إسلاميا إسلاميا ليتقاتل المسلمون فتذهب ريحُهم وتُدَمَّـر أوطانُهم خدمة لمشاريعهم .

ومن أخطر معاول وآليات هذه الفتنة المذهبية (السلاح الفكري الإعلامي) فتوالت المواقع والقنوات، وطباعة الكتب والمؤلفات التي منها (وجاء دور المجوس) (الفرسُ قادمون) وغيرهما... والكتاب الأول تمت طبعته الأولى في مصر عام 1981 م ثم أُعيدت طباعته عشرات المرات في بلاد عربية وغير عربية.. فهل يجوز لنا أن نصف شعبا مسلما بهذه النعوت العنصرية الجاهلية ؟ وأين المجوسية والشعب الإيراني يشهد لله بالوحدانية ويلتزم بجميع الأركان والشعائر الإسلامية ؟ وهل الفارسية تهمة أو منقصة؟

ملحوظة هامة: من لطيف مايضحك الثكلى / أن الإيرانيين قد أخذوا عقائدهم وتعلموا إسـلامهم عن طريق العرب المسلمين الأوائل من سلفنا الصالح بينما العرب والمسلمون قاطبة يأخذون دينهم وعلومهم من القرآن والسنة واللغة والتاريخ علي يد علماء الفرس ولا نبالغ إن قلنا إن أكثر من 90% من أئمة هذه العلوم هم من أصول فارسية ؟؟

ومنها أيضا أن أنصار الوحدة والتقريب في إيران يتهمهم الجهلةُ والعنصريون بأنهم مستعربون متسـنّنون يناصرن الحضارة العربية على الحضارة الفارسية:: بينما دعاة الوحدة والتقريب في البلاد العربية يتهمونهم بالتشيُّع وعمالة ايران والفارسية فسبحان من جمع الجهلة والسفهاء في خندق واحد.

سادسا: (مشروع إيراني) أم (تكليف رباني) ؟؟

من الشبهات والمغالطات التي يروجها أنصار وأتباع وأذناب المشروع الصهيوأمريكي فِرية (الهلال الشيعي) أو المشروع الإيراني , ولماذا تقحم إيران أنفها في صراعات الدول العربية ؟ وتتبنى مهمة الدفاع والتذكير بالقضية الفلسطينية ؟ وتعمل جاهدة على تحقيق الوحدة الاسلامية ؟

ولن نجيب على هذه التساؤلات بتحليلات سياسية، أو نعتمد على مصادر إعلامية، أو وجهات نظر بشرية.. ولكننا سنستقي الجواب من مصدر موثوق معصوم من كلام الله تعالى، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومن أصدق من الله حديثا ؟ ومن أوثق من رسول الله حديثا وتفسيرا ؟ لذلك أرجو من كل عاقل منصف ينشد الحق والصدق والصواب: مراجعة أقوال الأئمة المفسرين والعلماء الراسخين في جميع مراجع تفسير القرآن الكريم لدى السـنة والشيعة على السواء عند تفسير الآية الأخيرة من سورة محمد (وإن تتَولَّوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم) والآية الرابعة من سورة الجمعة (وآخرين منهم لمَّا يلحقوا بهم... الآية) ولترى تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لهاتين الآيتين فيما أورده الإمامان البخاري ومسلم في باب فضائل الفرس وكيف أن الصادق المصدوق قد أكد بكل جلاء ووضوح أن قانون الاستبدال يقضي بأن هذه المهمة سوف ينهض بها قوم سلمان الفارسي (هذا وقومه.. لو كان الايمان بالثريا لناله رجال من فارس) وإن تتولوا عن نصرة القضية الفلسطينية، والوحدة الإسلامية، ومواجهة القوى الاستكبارية.... الخ يستبدل أبناء فارس لهذه المهمة التكليفية الإلهية.

سابعا: أن اجتماع شياطين الإنس والجان، وتكالب قوى الشر والطغيان في جبهة عدائية واحدة لمواجهة ومجابهة الجمهورية الاسلامية الايرانية ليس لأسباب وغايات سياسية أواقصادية أو تقاطعات مصلحية إقليمية فحسـب.. وإنما لأن إيران هي آخر ماتبقى من حصون الاسلام وآخر خندق من خنادق الإيمان.. ذلك أنها الدولة العَصِيَّة الحًرَّة الأبية الخارجة عن هيمنة الاستكبار الغربي، فلم تدخل في عصمته ، ولم تخضع لسطوته، أو تنضوي تحت رايته ومنظومته.. كما هو حال جيرانها، وأخواتها الذين أعطوا الدنية، ودانوا بالتبعية والإمَّـعيَّة، وجعلوا من بلادهم شـُققا مفروشه مملوكة لأمريكا تمارس من خلالها أفحش العهر السياسي تحت مسمى القواعد العسكرية

فيا أبناء الشعب الايراني الحر الأبي: نعم لكم الحق في مطالبة حكومتكم بإصلاحات اجتماعية، وتحسين أوضاعكم الاقتصادية، ومعالجة بعض الأزمات الداخلية.. وذلك بالسبل السلمية، والطُّرُق الحضارية.. وحتما سوف تُلبى مطالبكم وتصلون الى حقوقكم بعون الله تعالى ولا تنسوا أن وطنكم قد دفع وما يزال يدفع ثمن حريتكم وكرامتكم وعزتكم بالكثير من التضحيات تحت شعار (هيهات مِنَّا الذلة) فاصبروا وصابروا ورابطوا وكونوا عونا لوطنكم على مواجهة عدوه وعدوكم، ولا تكونوا عونا لأعدائه على أمن وسلامة بلادكم وسوف تبقى إيران الاسلام شامخة أبية، راياتها مرفوعة، وأصواتها مسموعة ولو كره المنافقون والمشركون لأن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.. والله غالب على لأمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


/110
https://taghribnews.com/vdcfvjdmtw6dxca.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز