تاريخ النشر2017 9 November ساعة 00:29
رقم : 292631

كيف تعيد التغيرات السكانية تشكيل الأمن القومي والدولي

تنا-بيروت
كتاب "الديمغرافيا السياسية" يطرح إشكالية أساسية وهي: كيف تعيد التغيرات السكانية تشكيل الأمن الدولي والسياسة الوطنية؟ كما يحاول الإجابة على عدد من الأسئلة المهمة في الحقل المعرفي: ما هو دور التغيير الديمغرافي في الثورات أو في صعود وانهيار المجتمعات؟ كيف تؤثر العوامل الديمغرافية في الجغرافيا السياسية الحالية أو في السياسات المالية أو في الصراعات الإثنية والدينية او في أنماط الاقتراع والتحول الديمقراطي في الدول؟
كيف تعيد التغيرات السكانية تشكيل الأمن القومي والدولي
هذا الكتاب الذي ساهم في كتابة مواضيعه عدد من الكتَاب الباحثين، جاء رداً على غياب الاهتمام بحقل الديمغرافيا السياسية من قبل المتخصصين في علم السياسة، والذي يتناقض بدوره مع الاهتمام الصارخ الي يبديه صانعو السياسات في هذا المجال. وحيث يعرَف هذا الحقل على أنه "دراسة حجم السكان وتركيبتهم وتوزيعهم، وعلاقة ذلك بكل من الحكومة والسياسة"، فإنه بات يسيطر على أي نقاش تقريباً بما يتعلق بالتوجهات البعيدة المدى على جميع المستويات المالية والاقتصادية والسياسة الخارجية للدول، ويمثل أحد الاتجاهات المستقبلية التي يمكن التنبؤ بها أكثر من غيرها.

فالديمغرافيا هي محرك رئيسي للسياسة. وبالتوازي مع دور الحوافز الاقتصادية والمؤسسات والثقافة، تبيَن فصول الكتاب أهمية الديمغرافيا وعدم قدرة المتخصصين في العلوم السياسية على تجاهلها في سعيهم لفهم أنماط الهويات السياسية والصراع والتغيير.

ويعتبر حجم السكان والبنية العمرية والخصوبة والهجرة ومعدل الوفيات من مكوّنات التغيّر السكاني والعوامل المؤثّرة فيه.
يتألف الكتاب من أقسام خمسة. القسم الأول تناول فيه "جاك جولدستون" الديمغرافيا والعلوم السياسية مفصلاً في نظرية الديمغرافيا السياسية والتي تتناول تكاثر السكان والمؤسسات.

 أمَا القسم الثاني فذهب إلى الحديث عن السكان والأمن الدولي، حيث تطرق فيه كلٌ من "نيل هاو" و"ريتشارد جاكسون" إلى السياق التاريخي والإطار الفكري للديمغرافيا والجغرافيا السياسيتين. بينما تناول "مارك هاس" السنوات الذهبية لأميركا الذي رأى أن أمنها يتجلى في عالم هرم.

 وعلى التوالي، جاء القسم الثالث ليحكي عن الديمغرافيا والتنمية والصراع، حيث ربطت فيه "إليزابيث لي مادسن" بين البنية العمرية والتنمية بحسب عدسات واضعي السياسات. أما "ريتشارد سينكوتا وجون دوسيس" فقد طرحا فرضية البنية العمرية الناضجة، فتناولا تأثير الطفرة الشبابية في مجيء الديمقراطية الليبرالية واستقرارها. في حين شرح "هنريك أوردال" العلاقة بين الطفرات الشبابية والعنف، وذهب "ريتشارد ماثيو" إلى الربط بين الديمغرافيا والتغير المناخي والصراع.

 الديمغرافيا والسياسة الوطنية كانت موضوع القسم الرابع من الكتاب، فقام "وليام فراي" باتخاذ الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008 نموذجاً للحديث عن الديمغرافيا العرقية.

وفي حين تناول "بريان غراتون" الديمغرافيا وتقييد الهجرة في التاريخ الأميركي، طرح "ديفيد كولمان" الوجه المتغيّر لأوروبا. إلا ان "إريك كوفمان" و"فيغارد سكيريبك" ذهبا إلى طرح سياسة الديمغرافيا الدينية التي تشجع على التزاوج والإنجاب ويعبّر عنها بـ"تناكحوا، تكاثروا".

أما الديمغرافيا في النزاعات الإثنية والدينية فمثلت القسم الختامي للكتاب، قتناولت "مونيكا دافي توفت" في القسم الخامس الأبعاد الدينية والسياسية للخصوبة والتحول الديمغرافي والتي يطلق عليها حرب الأرحام. وشرحت "كريستيان لوبريكت" العلاقة بين البنية الديمغرافية والتعبئة الإثنية القومية. وبالنسبة للتغير الديمغرافي والذي تم ربطه بالصراع في إفريقيا المعاصرة كنموذج فقد عالجه "إليوت جرين". وعن الدين والهوية والحرب في كوت ديفوار فقد ختم الكتاب بقلم "راجليند نورداس" معنونا الفصل الأخير بالشيطان في الديمغرافيا.

في سطور كتاب " الديمغرافيا السياسية"، تقرأ تفاصيل العلاقات القائمة بين علم الديمغرافيا ومختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتلمس قراءة لمستقبل العالم وتنبؤات بما ستؤول إليه المجتمعات الصناعية وغير الصناعية، المتطورة والنامية.

فبحسب جاك غولدستون، الذي يعتبر من الآباء المؤسسين لهذا الحقل المعرفي، فإن العقود الأربع المقبلة ستطرح تغيّرات غير مسبوقة إزاء ما يخص الاتجاهات الديمغرافية الطويلة الأمد، بما في تلك انكماش قوة العمل في أوروبا، وشيخوخة المجتمعات الصناعية المتقدمة بوتيرة كبيرة جداً، وحصول تحول جوهري في النمو الاقتصادي العالمي باتجاه العالم النامي.

التغيرات الديمغرافية ستزداد حدتها بفعل التحول الديمغرافي العالمي المتباين بحلول العشرينات من القرن الحادي والعشرين وستستمر حتى عام 2050. ويتوقع الكاتب على صعيد الدولة القومية صعود باكستان في مقابل أفول روسيا. وبالنسبة للفئات العمرية، يتوقع ازدياد نسب الشباب مقابل كبار السن في أفغانستان على سبيل المثال.

وفي الحديث عن الأمن الدولي، تجب معاينة ديناميات القوة العالمية، سواء أكنا ننظر إلى القوة الإقتصادية أم كنا ننظر إلى القدرة العسكرية، فدائماً ما كان يتم تعريف النمو السكاني بوصفهما حيويين في أمن دولة ما وقدرتها على شن الحروب.
وبرغم كون العنصر السكاني أقل أهمية بوجود آلة الحرب منذ الحرب الأميركية والحربين العالميتين والتي جعلته عرضة للخطر في الوقت ذاته، إلا أن مكانته قد ارتفعت بصفته مكوناً بارزاً في الأمن القومي بعد اندلاع سلسلة من الحروب غير المتكافئة التي خسرت فيها جيوش مجهزة بتكنولوجيا عالية أمام جيوش تعتمد على العنصر البشري مثل الولايات المتحدة في فيتنام أو الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

وعلى صعيد محاربة الإرهاب، يشكل العراق وأفغانستان مثلين على وجاهة هذا المنطق: حيث تقف الدول الشائخة ذات القوى العاملة المتناقصة إلى جانب الدول الفتية التي تشهد نموا متسارعاً والتي تشكل موطناً للإرهاب والاضطرابات. وعليه، تمثل الاتجاهات الديمغرافية في القرن الحادي والعشرين تحديات جديدة للنظام الجيوسياسي.

فخلال المئتي عام ونيف الماضية، تركزت النقاشات المتعلقة بالسكان على قضية واحدة، هي: هل سيتخطى النمو السكاني وآثاره، الطاقة الاستيعابية للأنظمة البيئية المحلية والعالمية، الأمر الذي قد يؤدي إلى اتساع نطاق الفقر؟ أو هل سيتغلب التقدم التكنولوجي على الزيادات السكانية، موفراً موارد كافية لاستمرار نمو الدخل، بحيث يشكل توزيع الموارد القلق الوحيد المسوغ؟

وعلى الرغم من أن هذا الجدال لا يزال قائماً حتى اليوم، فإن من اللافت للنظر أن النقاش بشأن الكيفية التي يؤثر بها السكان في المنظومات السياسية استمر فترة طويلة إزاء ما يتعلق بإجماليات بسيطة، تتمثل في: نسبة إجمالي السكان في مقابل إجمالي كميات الموارد. فالمجتمع السكاني يتألف من عدد من المجموعات الاجتماعية والمؤسسات المتداخلة والمترابطة من إدارة حكومية، ونخب وجماعات شعبية تنطلق من البيئة الطبيعية وتتفاعل مع المجتمعات الأخرى، حيث يترسخ المجتمع السياسي من خلال مجموعة من العمليات المتواصلة والمستمرة التي تشمل تدفق الموارد والإجراءات وتبادلها. وتدعم تلك التدفقات والتبادلات والإجراءات الدول والنخب، وتحافظ على جماعات شعبية مختلفة في أدوار اقتصادية وسياسية متنوعة، كما تتيح الإدارة والتنسيق والأمن للجميع.

ومن الخصائص الرائعة لهذه المفاهيم الديمغرافية ـ المجموعات العمرية والخصوبة والهجرة، وما إلى ذلك ـ أنه بالإمكان تطبيقها جميعاً على المجموعات الفرعية في أية شريحة سكانية.
 
الشيخوخة في الولايات المتحدة
على غرار القوى الكبرى الأخرى، تعد الولايات المتحدة الأميركية مجتمعاً هرماً، وستكون التكاليف الناشئة عن شيخوخة السكان باهظة. فوفقاً لتقرير صادر عام 2007 عن صناديق الضمان الاجتماعي وبرنامج مديكير، يتوقع أن تكون نفقات هذه البرامج على مدى الـ75 عاماً المقبلة أكثر من الإيرادات بنحو 32 تريليون دولار أميركي. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فيستطلب هذان البرنامجان بحلول عام 2030 نحو نصف ضريبة الدخل الاتحادية، وبحلول عام 2040، سيحتاجان إلى قرابة الثلثين من هذا الإيراد.

كل ذلك يرتبط بالمقدرة السياسية، التي تعرف بأنها قدرة الحكومات على استخلاص الموارد من السكان للنهوض بالسياسات التي وضعتها الحكومة. وتذهب الفرضية إلى أن الدول عندما تحقق نمواً اقتصادياً قد تلجأ الحكومات إلى الحصول على المزيد من السكان على شكل ضرائب. وكما كانت الحال مع المتغير الاقتصادي، يعقتد أن الديمقراطيات الصناعية المتقدمة لا تملك مجالاً كبيراً للتحسن في هذه الساحة، بما أن الضرائب مرتفعة أصلاً، لذا يفترض كثيرون أنهم لا يملكون القيام بشيء كثير لزيادة قوتهم.
 
المقدرة السياسية
وبحسب نظرية انتقال السلطة، تنتج الحرب من تضافر القوة النسبية مع أهداف الدولة أو تفضيلاتها. ويشكل خليط تعادل القوة مع عدم الرضا وصفةً للحرب. ومن خلال صوغ تفضيلات الدول المتنافسة، بحيث بتماثل تفضيلاتها، تنعم الدول التي تعاني الشيخوخة بسلام أكبر، كما تؤمن مكانتها في المنظومة الدولية.

ويشكل حجم السكان وتركيبتهم جزءاً فقط من المعادلة التي تقدر قوة الدولة. وتستطيع السياسات أن تؤثر في هذه المتغيرات. وتمتلك الدول نفوذاً في إنتاجيتها الاقتصادية ومقدرتها السياسية أيضاً. وعلاوة على ذلك يجب أن تؤطر العلوم السياسية نقاشاً بشأن آثار الشيخوخة.

ويوضح الكتاب أنه يمكن تصنيف سكان جميع الدول ضمن واحد من أربعة أنواع من البنى العمرية الرئيسية، بناءً على تقدمهم من خلال التحول الديمغرافي، أي الانتقال على مدى عقود طويلة من معدلات الوفيات والخصوبة المرتفعة إلى تلك المنخفضة.
وترتبط الأنواع الأربعة من البنى العمرية، بحصة السكان التي تتألف من الأطفال والشباب تحت سن 30 عاماً بحصة البالغين الأكبر سناً ما فوق 60 عاماً، ويوصفون بأنهم: يافعون جداً، وشباب. وعموماً فإن البلدان التي لها بنية عمرية فتية جداً هي تلك التي تكون أعمار ثلثي السكان فيها أو أكثر أقل من 30 عاماً.
 
الشباب والعنف
وغالباً ما يضطلع الشباب بدور بارز في العنف السياسي، ولقد ارتبط وجود طفرة شبابية تاريخياً بالأزمات السياسية. وعموماً، لوحظ أن الشباب الذكور يشكلون الأبطال الرئيسيين في العنف الإجرامي والعنف السياسي.

لقد عمد صموئيل هنتغتون إلى تدعيم نظرية "صراع الحضارات"، من خلال إضافة البعد الخاص بالبنية العمرية قائلاً: لا أظن أن الإسلام أكثر عنفاً من الديانات الأخرى لكن العامل الرئيسي هو العامل الديمغرافي. وعموماً فإن الناس الذين يخرجون ويقتلون أناساً آخرين هم ذكور تتراوح أعمارهم ما بين 16 و30 عاماً، على حد تعبيره.

وقد ركزت الأدبيات المتعلقة بالطفرات الشبابية على وجه الخصوص، على الإضرابات العفوية والمنخفضة الشدة، مثل الاحتجاجات غير العنفية وأعمال الشغب، بيد أن الطفرات الشبابية قد تفاقم أيضاً خطر بروز أشكال أكثر تنظيماً من العنف السياسي، كالصراعات المسلحة الداخلية.
 
الديمغرافيا والتغيّر المناخي
إن حكم كوكب بحسب الكتاب يعاني الظمأ ويتسم بالاكتظاظ السكاني، قد يشكل التحدي السياسي الأشمل في القرن الحادي والعشرين، والذي لن يكون من السهل مواجهته، وعلى غرار القضايا العالمية. فثمة كثير من القواسم المشتركة بين التغيّر الديمغرافي والتغيّر المناخي، الأمر الذي يحول دون تطبيق سياسات سريعة وبسيطة للتعامل مع هذا التحدي.
ويشير الكتاب إلى أن المسألة تنطوي على قدر كبير جداً من المجازفة، إذ إن كل متغير لديه إمكانية للتأثير سلباً وبشكل دراماتيكي فعلياً في جميع القيم والممارسات والمؤسسات الإنسانية.

والتغيّر الديمغرافي والتغيّر المناخي ينجمان عن متغيرات عدة، وينطويان على آثار متنوعة ودينامية وهذه قضايا لا تخضع لتحليل مباشر للتكاليف والفوائد، أو يمكن وضعها في صيغ بسيطة لتحديد أدوار الأطراف المعنيين ومسؤولياتهم.

لقد غطت فصول هذا الكتاب مجموعة واسعة من العلاقات، تبين جميعهاً الدور المحوري الذي قد يؤديه التحول الديمغرافي في تشكيل الهويات السياسية، والصراع، والتغيير المؤسسي.
 
https://taghribnews.com/vdcc1iqis2bqoe8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز