تاريخ النشر2018 9 March ساعة 10:09
رقم : 316978

المرجع الفقيد السيد فضل الله : الزهراء لم تقتصر على الماضي وانما هي ممتدة مع الزمن حيةً متجدّدة

تنا
إنّ دراسة تجربة الزهراء (ع) ليس عودةً إلى الماضي تريد أن تتحجّم فيه، إنما هو استيحاء الماضي من خلال تجربة رائدة صنعتها شخصية معصومة، وإنّ هذه التجربة لم تكن في يوم من الأيام مقتصرةً على الماضي، بل هي ممتدة مع الزمن حيةً متجدّدة.
المرجع الفقيد السيد فضل الله : الزهراء لم تقتصر على الماضي وانما هي ممتدة مع الزمن حيةً متجدّدة
جاء ذلك في حوار مطول مع المرجع الفقيد السيد محمد حسين فضل الله اخترنا لكم قسما منه :
موقع الشخصيات التاريخية من واقعنا المعاصر
* هناك من يقول إنّ الحديث عن التاريخ وشخصياته عملية تحجم دورنا المعاصر في حدود الماضي، في حين أنّ المطلوب هو أن نعيش الواقع بظروفه وأن نكيِّف تطلعاتنا على أساسه، فيما هو الدور المعاصر للمرأة؟ فما هو تعليقكم على ذلك؟

- الماضي على قسمين: فهناك ماض يموتُ، وهناك ماضٍ يحمل عناصر الخلود والبقاء. لأن الحقيقة التي تعيش في الحياة واحدة، ولذلك ليس للحقيقة عمر، ليس لها ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل.

والأشخاص الذين يعيشون في قلب الحقيقة، والذين تنطلق حياتهم من موقع القيم الروحية والأخلاقية التي تمتد في الزمن، هؤلاء لا يموتون، وهؤلاء لا يشعر الإنسان بأنهم جزء من الماضي الذي ذهب، بل يرى أنهم مظهرٌ للزمن الذي يتجدّد، لأنهم يتجدّدون مع الزمن، ويجدّدون الزمن.

ونحن عندما نعيش حياتنا هذه المتحركة المتطوّرة، التي تضجُّ بالمتغيرات على كل المستويات، قد نحتاج إلى أن نبحث قضية المرأة كإنسان، كيف يمكن أن تعيش المرأة في الواقع، هل إنها في ذاتها تعيش نقصاً في إنسانيتها وبذلك فإنها تعيش نقصاً في دورها؟ أو أن الإنسانية تتكامل في الرجل والمرأة، فللرجل معنى يغني الإنسانية في خصائصه الذاتية، وللمرأة معنىً يغني الإنسانية في خصائصها الذاتية، وأنّ الإنسانية تتكامل في الرجل والمرأة على أساس أن يحرّك الرجل إنسانيته ليُغني بها تجربة الحياة، وأن تحرّك المرأة إنسانيتها لتغني بها تجربة الحياة.

فالله سبحانه لا يريد للمرأة أن تتحرّر من أنوثتها، لأنها جزء من شخصيتها، ويمكن أن يحقق الكثير من الإيجابيات في حركتها في الحياة. والله لا يريد للرجل أن يلغي ذكوريته، لأنّها جزء من ذاته، ويمكن أن يحقّق الكثير من إيجابيات الحياة.

وعلى ضوء هذا سنذكر السيدة الزهراء (ع).. هذه الإنسانة التي لم تعش في الحياة إلاّ مرحلة الطفولة والشباب، فهي لم تقترب من مرحلة الكهولة، وإنما بقيت في ريعان الشباب، على مختلف الروايات التي تتحدّث عن زمان ولادتها، لكنها عاشت في طفولتها إنسانيتها كأغنى ما تكون إنسانية الطفل. وعاشت في شبابها إنسانيتها كأغنى ما تكون إنسانية الشباب.

إنّ تجربة الزهراء (ع) لم تكن في يوم من الأيام مقتصرةً على الماضي، بل هي ممتدة مع الزمن حيةً متجدّدة.

لم تعبث كما يعبث الأطفال، ولم تلهو لهوهم. عاشت طفولتها مع أمّها، وكان البيت مثقلاً بكل أعباء الرسالة.

كانت ترى أباها يأتي من المسجد، وترى آثار التعسّف الذي يمارسه القوم ضده، فكانت تلقى أباها وهي طفلة لتخفّف عنه، لتزيل عنه بعض الآثار التي كان يلقيها عليه مردة قومه.

وعندما ماتت أمّها وهي في الخامسة من عمرها، تكفّلت أن تعطي أباها كلّ شيء يملأ فراغه.

وإذا كان النبي (ص) لا يعيش الفراغ الإنساني في شخصيته من خلال امتلاء شخصيته بنبوته، فإنّ النبيّ بشر عاش كما يعيش البشر الحاجة إلى الأحاسيس العاطفية، إلى حنانِ الأُمّ، وإلى رعاية الزوجة الممثّلة بخديجة (ع)، وكانت فاطمة طفلةً آنذاك، واعيةً وعي الكبار، وشعرت أنها لا تستطيع أن تعطي أباها، إلاّ كلَّ هذا الدفق من الحنان ومن العاطفة، وعرفنا تأثيرها في أباها آنذاك، عندما كان يتحدّث عنها ليقول عنها إنها أم أبيها.

ولاحظنا أنّ الزهراء (ع) عاشت زوجةً كأفضل ما تكون الزوجة. لم تحتقر دورها كزوجة تخدم زوجها في البيت، على أساس أنّ ذلك لا يتناسب ومكانتها، بل اعتبرت أنّ عطاءها في داخل البيت يمثّل مسؤولياتها الطوعية لا الإلزامية، لأنّ الإسلام لم يكلّف المرأة بشكلٍ شرعي أن تخدم بيتها، لكنه أرادها أن تعيش روحية الرسالة في حركة البيت.

وهكذا رأيناها في أمومتها، ورأينا قساوة الدور بالنسبة إلى جسدها الضعيف، قساوة دورها كزوجة على جسدها، وقساوة دورها كأُم على جسدها، لكنها تحمّلت ذلك واعية صابرة.

ثم رأيناها (عليها السلام) تقوم بمسؤولياتها الرسالية المتنوّعة، فقد حرّكت الحق في ضمير الأمة، وقدّمت الدرس الأكبر في التعامل مع الواقع الذي أحاط بالأمة بعد وفاة الرسول (ص)، وكانت صاحبة الموقف الذي امتدَّ عبر الزمن وظلّ حيّاً إلى الآن، وسيظل كذلك.

إنّ دراسة تجربة الزهراء (ع) ليس عودةً إلى الماضي تريد أن تتحجّم فيه، إنما هو استيحاء الماضي من خلال تجربة رائدة صنعتها شخصية معصومة، وإنّ هذه التجربة لم تكن في يوم من الأيام مقتصرةً على الماضي، بل هي ممتدة مع الزمن حيةً متجدّدة.

الزهراء (ع) قدوةُ للرجال والنساء:
* من خلال دراسة دور الزهراء الرسالي، وهي ابنة رسول الله وزوجة الإمام علي، كيف ترسمون الدور المطلوب من النساء أن يتمسكن به في ضوء ذلك؟

- في أجواء الزهراء (ع)، لا بدّ من استيحاء فكرة هامة، فكرة تنطلق للرجال والنساء معاً، وهي أنّ الإنسان الذي يملك طاقةً _ أي طاقة من الطاقات _ ويعيش دوراً في أي مهمة يريد الله منه أن يقوم بها، لا بدّ أن يقوم بدوره كاملاً غير منقوص، ولا بدّ أن يحرّك طاقاته ليخدم بها الله، ويخدم الناس والإسلام.

إنّ فاطمة (ع) وهي ابنة رسول الله (ص)، كانت في الوقت نفسه، لا تترك دقيقة من وقتها إلاّ وتحرّكها من أجل القيام بمسؤولياتها، ولهذا فإنّ علينا أن نفكّر في الحياة، بأننا مخلوقون للعمل وللمسؤولية، لنجعل كلَّ عمل وطاقةٍ من طاقاتنا في خدمة الله وفي خدمة الناس، وفي خدمة الحياة.

من فاطمة (ع) نتعلّم أنّه يكون الإنسان في موقع متقدّم في المجتمع، فليس له أن يعيش بعيداً عن مسؤوليته، «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، وسيُحشر غداً كلّ إنسان أمام الله، ويحاسب على كل دقيقة صرفها في بطالة، وعلى كل طاقة أضاعها، وعلى كلِّ جهد بدّده في غير منفعة.

غداً عندما نقف أمام الله سنعرف قيمة كلِّ الوقت الذي نصرفه، وقيمة كل الجهد الذي نبدّده، وكل الطاقات التي نتركها في الفراغ.

نتعلّم من خلال فاطمة (ع) التي عاشت كلَّ وقتها، وصرفت كلَّ جهدها، وعاشت كلَّ دورها، وانفتحت على ربها، وعلى الإسلام، وعلى الرسالة، وعلى حياتها الخاصة، ولم تدع جانباً يطغى على جانب.. نتعلّم كيف نكون قريبين إلى الله.. وكيف نكون منفتحين عليه.. وكيف نجعل حياتنا في خدمة الله وفي خدمة الإسلام.

نموذج القدوة ودوره في التثقيف الجماهيري

* لماذا الحديث دائماً عن القدوة؟ وكيف يمكن أن نحرّك القدوة في تثقيف المجتمع، لا سيما في ما يتعلق بالمرأة، وبالعودة إلى تجربة الزهراء (ع)؟

- المسألة الهامة في كثير من العناوين الكبيرة التي تجتذبنا للساحة أو تجتذب الساحة، تتمثل في: ما هو مدى حركة العنوان الكبير في الواقع، حتى نؤمن بأنّ العنوان يمكن أن يتمثّل حياة متحركة في حياتنا؟

من هنا قد نحتاج إلى القدوة التي تمنح الناس الإحساس بواقعية القيمة، فلا تجعلها أمراً مجرداً يعيش في دائرة النظريات والأفكار.

لذلك نحن دائماً نبحث في الساحة، أية ساحة، عن الإنسان الذي لا يطغيه المال، لينحرف عن مبادئه من خلال ضغط المال عليه، والإنسان الذي لا يطغيه الجاه، والإنسان الذي يمكن أن يحقّق التوازن في حياته، بين ما هو روحي وما هو مادي وما هو اجتماعي، لأنّ الكثيرين من الناس قد يحدّثونك عن سقوط هذا التمازج بين المال والروح، أو هذا التمازج بين الشخصية الفردية والشخصية الاجتماعية، فيدلونك عن روحي عاش وحول المادة، حتى لا تجد شيئاً للروح في حياته، وعن شخصية اجتماعية عاشت الفردية في كل تطلعاتها ونشاطاتها، حتى لا تجد هناك للعنوان المجتمعي شيئاً في شخصيتها وفي حركتها. لذلك نحن بحاجة إلى أن نرصد واقع القيمة في واقع الناس الذين يتحرّكون في خط القيمة.

وفي الرجال الكثيرون، ممن لا تزال الإنسانية تغترف من القيم التي عاشوها، بحيث إنك لا تحتاج إلى أن تقرأ كلماتهم، بل تحتاج إلى أن تستغرق في حركتهم في الواقع، لأنّ حركتهم هي التي تغني كلماتهم، بدلاً من أن تكون الكلمات هي التي تغني الحركة.

وهكذا نجد في النساء في كلِّ التاريخ نقاطاً مضيئة، تستطيع أن تعرفنا ما يمكن للمرأة أن تختزنه في حياتنا، من غنى في الروح، ومن امتداد في الحركة، ومن انطلاق في الفكر، ومن صلابة في الموقف.

وربما نحتاج إلى أن نستقدم من التاريخ بعض النماذج النسائية التي تجسّد بعض القيم إن لم تجسّدها كلها، لأنّ هناك حديثاً لا زال التخلّف يردّده، ولا زالت الأوضاع المتخلّفة تحرسه، وهو أنّ المرأة إنسانٌ من الدرجة الثانية أو الثالثة، وأنّ التاريخ للرجل، والإبداع للرجل، والقوة للرجل.

فالمرأة هي عنوان الضعف _ هكذا يتحدّثون _ وهي عنوان الإنسان المنفعل، وهي عنوان الإنسان الذي لا يستطيع أن يقف في قلب الساحة.

ربما نحتاج إلى بعض النماذج الحيّة في التاريخ، لنتمكّن من أن نواجه مثل هذه الأفكار، من خلال التجربة، لأنّ الإنسان في كثير من الحالات، إذا أراد أن يعالج المسألة بطريقة تحليلية في أكثر من موضوع، فإنه قد يغرق في متاهات الجدل، الذي يمكن له أن يصوّر الفكرة بأكثر من صورة، من دون أن ينـزل إلى عمقها.

ولكن التجربة الحيّة تعطيك الواقع الذي يبدع الفكرة، فأنت لا تحتاج لأن تؤصل الفكرة في الوعي، إلاّ من خلال أن تقدّم الفكرة، وهي تعيش واقعاً حيّاً متحركاً في الأرض وفي الإنسان.

ونحن نعرف أنّ التجربة هي إحدى المنهجين في عملية المعرفة، فإذا كان العقل التأملي يمثّل نافذة على المعرفة، فإنّ التجربة تمثّل نافذة واسعة، وربما لا يستطيع العقل أن يُبدع الحقيقة إلاّ في تفاعله مع التجربة، كما إنّ التجربة لا تستطيع أن تحقق امتداداً للفكرة، إلاّ من خلال العقل.

وفي ضوء ذلك، نحن نجد أنّ الزهراء (ع) عاشت في أبعاد متنوعة من حركتها، في داخل نفسها، وفي خارج نفسها، وأنّ البعد الروحي لم يُغلق الأبواب عن البعد الاجتماعي والسياسي والتربوي والعائلي.

إنّ الإنسان يمثّل طاقةً واسعةً متنوّعة، يمكن له أن يتحرك من خلال عدة أبعاد في الحياة، فلا يحصر نفسه في بعد واحد، فيمكن أن تكون أنت، أو تكوني أنتِ، يمكن أن نكون شخصيةً تتحرك في أكثر من بُعد، لأنّ تنوع طاقاتنا، يفرض علينا تنوّع عطاءاتنا وأبعادنا في الحياة.

لذلك فإنّنا عندما نتحدّث عن الزهراء القدوة، فإننا نتحدّث عن الروح عندما يسمو، وعن الإنسان عندما يتحمّل المسؤولية، في الدائرة الصغيرة وفي الدائرة الكبيرة، ويخلص للمسؤولية هناك، لا تشغله الدائرة الصغيرة عن الدائرة الكبيرة، ولا تجعله الدائرة الكبيرة يفكّر بتفاهة الدائرة الصغيرة، القضايا الصغيرة هي الأساس للقضايا الكبيرة، والقضايا الكبيرة هي التي ترعى القضايا الصغيرة.

لذلك ليست القضية قضية الزهراء القدوة والمرأة الكاملة، إنما هي قصة الزهراء القدوة والإنسان الكامل.

إننا نتصور المرأة في إنسانيتها، كما نتصوّر الرجل في إنسانيته، والأنوثة والذكورة حالة في الجسد من خلال التنوع الإنساني، ولكن الإنسانية حالة في العقل، وفي القلب، وفي الروح.

وفي حركة الحياة، يتكامل الرجل والمرأة في مسألة بناء المعرفة الإنسانية، وبناء حركة الإنسان، وبناء روحية الإنسان، أن نتطلّع إلى الله، فلا يشغلنا التطلع إلى الله عن التطلّع إلى الناس، وأن نتطلّع إلى الناس فلا يشغلنا التطلّع إلى الناس عن التطلع إلى الحياة. إن كل أفق يمكن له أن يفتح لنا أفقاً آخر.

 لقد انطلقت السيدة الزهراء (ع) لتواجه الموقف من موقع التحدّي وردِّ التحدي ولم تقف موقفاً سلبياً حيادياً


موقف السيدة زينب في كربلاء وبعدها
* ثمة تصور سائد بأن العاطفة الفيّاضة عند المرأة تمنعها من القيام بالأدوار المؤثرة في المواقف الصعبة، كيف نقيِّم هذه الفكرة في ضوء تجربة السيدة زينب (ع)؟

- نحن عندما نلتقي بالسيّدة زينب (ع)، فنحن لا نريد أن ندخل في قداسة النسب في نسبها، ولا نريد أن ندخل في فيض العاطفة الذي نحمله لها في قلوبنا، نريد زينب الإنسانة المرأة بعيداً عن كلِّ التهاويل، وبعيداً عن كل الصفات، نريد أن نتمثّل فيها العناصر الحيوية، التي يمكن لنا أن نجد من خلالها في هذه الإنسانة، عنصر القدوة التي تجسّد الفكرة.

في كربلاء كانت زينب (ع) رفيقة الحسين (ع) يحدّثها وتحدّثه، فنحن لم نقرأ أنّ هناك حالة مناجاة بين الحسين وبين أي شخص من أصحابه ومن أهل بيته، يفتح فيها عقله وقلبه وشعوره إلاّ مع زينب (ع).

في ليلة عاشوراء، عندما بدأ يحدّثها عن طبيعة المعركة، وعن النتائج الصعبة التي سوف تنتج عن المعركة، وكيف يجب عليها أن توازن عاطفتها فلا تندفع فيها، لأنّ المستقبل القريب الدامي المأساوي، لا يسمح لزينب أن تعطي عاطفتها حريتها، وإن كانت العاطفة في الإسلام لها قداسة إنسانية، لأن الإنسان بلا عاطفة هو حجر، وعقل بلا عاطفة حالة لا يمكن أن تنفذ إلى وجدان الإنسان.

لكن القضية أنّ هناك موقفاً، إذا تحرّكت العاطفة فيه، مع كل المأساة التي تحيطه، عند ذلك تؤثر العاطفة تأثيراً سلبياً، لأنّ القصة عند ذلك تكون تفصيلاً من تفاصيل العاطفة، فلا يكون هناك شيء جديد.

لذلك عندما ندرس حركة السيدة زينب (ع) في كربلاء، في أثناء المعركة، وبعد المعركة، فإننا نجد أنها كانت تعيش صلابة الموقف، كأقوى ما تكون الصلابة.

كانت الإنسانة التي تعيش صلابة الموقف، وعندما كانت تتدّخل بأسلوب عاطفي، فلكي تحتضن موقف الحسين (ع) في كبرياء الموقف.. إنساناً أكبر من الألم.

وبعد واقعة الطف، ينقل تاريخ السيرة الحسينية، أنها وقفت بكلِّ شموخ الإنسان القوي، الذي يشعر أنّه لا يعيش حالة ذاتية، بل يعيش حالة رسالية.

وهكذا رأيناها عند ابن زياد في الكوفة، عندما وقفت وهو يحاول أن يتكلّم بطريقة سلبية عن الإمام الحسين، وهو يقول لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك ومرد العتاد من أهل بيته، قالت له: «هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وستقف غداً معهم، وستحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج، ثكلتك أمك يا بن مرجانة».

وعندما وقفت في مجلس يزيد، وقفت بكل كبرياء المرأة الرسالية، وبكل عنفوان الإنسانة التي تعيش آفاق الرسالة في الحياة كلها، وصلابة القوة في موقفها، وهي المسبية ورأس الحسين أمامها، والأطفال والنساء حولها، قالت له:

ثم نتمثّل زينب المعارضة، الإنسانة المؤمنة المحجبة العابدة الخاشعة، التي تقف في نادي الرجال لتتحدّث بأقوى أساليب المعارضة السياسية، في موقع كانت المعارضة فيه شيئاً غير معهود.


منـزلة المرأة في الإسلام:
من خلال مراجعة الأدوار التي قامت بها الزهراء (ع)، كيف تتصوَّرون حركتها بما يقدّم صورةً عمليةً لدور المرأة في الحياة؟

- هناك فرقٌ بين ما أعطاه الله في تشريع الإسلام للرجال، وبين ما أعطاه للمرأة في القضايا التنظيمية، على مستوى العلاقة الزوجية، وعلى مستوى باقي العلاقات العامة في الحياة، باعتبار أنه راعي دور الأمومة عندها، فلم يحمّلها من المسؤوليات الكثير، وراعى في الرجال بعض الخصوصيات، فحملهم مسؤوليات إضافية {وللرجال عليهن درجة} (البقرة-228).

ولكن في المجالات العامة للمسؤولية، كالقرب من الله، والفضل عند الله، والفضل في العلم، والفضل في الكفاءة، وفي كل المجالات التي يمكن أن تقوم بها المرأة، فحينئذ لا يكون الرجل أفضل من المرأة، على العكس، قد تكون أفضل من الرجل إذا كانت أكثر علماً منه، وقد تكون أفضل من الرجل إذا كانت أكثر جهاداً منه، وإذا كانت أكثر تحملاً للمسؤولية منه، والرجل أيضاً قد يفضل على المرأة بذلك وقد يتساويان.

ونرى أنّ الله سبحانه وتعالى عندما حدّثنا عن نشأة الخلق قال: {يا أيها الناس اتَّقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً} (النساء/1).

وعندما أطلق المسؤولية في الحياة، لم يفرّق بين امرأة ورجل {فاستجابَ لهم ربُّهم أنّي لا أُضيعُ عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضُكم من بعض} (آل عمران/195).

إنّ المرأة كالرجل في المسؤولية، ولكن الله نوّع المسؤولية في بعض مجالات حياة المرأة، ونوع المسؤولية في بعض مجالات حياة الرجل.

وهكذا عندما أراد الله للرجل أن يخضع لحكم الله، أراد للمرأة بالمستوى نفسه أن تخضع لحكم الله: {وَما كان لِمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَةُ من أُمرِهم} (الأحزاب/36).

وهكذا الأمر عندما حدّثنا الله تعالى عن المسؤولية في الحياة العامة، وفي الدعوة إلى الله، وفي الوقوف ضد الانحراف، وفي الوقوف أمام التحديات: {والمؤمنون والمؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..} (التوبة/71).

ليس هناك فرقٌ في المسؤولية، فإذا احتاج الإسلام إلى المرأة فهي مسؤولة أن تتحرّك، وإذا احتاج إلى الرجل فهو مسؤول أن يتحرّك. وهكذا عندما يراد أن يُدعى إلى الإسلام، فالمرأة لا بد أن تكون داعية، كما لا بدّ للرجل أن يكون داعية، وهذا ما نثيره في كلِّ الأجواء العامة.

إنّ الله ضرب المرأة الصالحة مثلاً لكل الناس، والمرأة غير الصالحة مثلاً لكل الناس، فالمرأة يمكن أن تكون مثلاً للمجتمع كله، وقدوةً في كلِّ المجالات الحياتية.

إننا نأخذ من خلال ذلك فكرة أنّ المرأة كالرجل في المسؤولية، ولكن الله نوّع المسؤولية في بعض مجالات حياة المرأة، ونوع المسؤولية في بعض مجالات حياة الرجل.

مسؤولية المرأة في المجتمع:
* في المجتمعات الشرقية ينظر إلى المرأة على أنها تحتلُّ موقعاً ثانوياً، ما هي نظرة الإسلام لموقع المرأة، في ضوء دراسة دور فاطمة (ع)؟

- المرأة ليست عنصراً هامشياً في حياة الرجل، وإنما هي إنسان كما هو إنسان، لها حقوق وعليها واجبات، كما له حقوق وعليه واجبات، في داخل الحياة الزوجية، وفي خارج الحياة الزوجية، ولكل دور ومجال وساحة في الحياة، وعلى الجميع أن يقفوا، كما قلنا، من أجل أن يواجهوا مسؤوليتهم أمام الله سبحانه، في ما حمّلهم من مسؤولية، على جميع المستويات، في القضايا الكبرى، وفي القضايا الصغيرة.

فقد يكون من واجب كلِّ القائمين على شؤون المسلمين أن يعملوا على توعية المرأة، كما عليهم أن يرفعوا المستوى الثقافي والإسلامي لدى الرجل، لأنّ المسؤولية عندما تنطلق من كل المجتمع، فإنّ المجتمع يستطيع أن يحلّق بجناحين قويين، يستطيعان الانطلاق في كل الأجواء.

هذا ما نحتاجه، أن لا يكون الرجل متخلّفاً، وأن لا تكون المرأة متخلّفة، ولعلّ مشكلتنا كانت هي أنّ الرجل متخلّف، ولذا فرض تخلّفه على المرأة، والمرأة متخلّفة ولذا فرضت تخلّفها على أولادها! وهذا التخلّف المزمن الذي عشنا فيه جعلنا نعيش الحياة بعيداً عن مواقع المسؤولية، وبعيداً عن موقع مواجهة التحديات، بالطريقة التي يريدنا الله فيها أن نواجه التحديات، وأن نكون واعين لكلِّ ما حولنا، ولكلِّ حكم شرعي كلّفنا الله به {وَما كانَ لمِؤمنٍ ولا مؤمنة إذا قضى اللَّهُ ورسولُه أمراً أن يكون لهُم الخِيرَةُ مِنْ أمرِهم} (الأحزاب/36).

 
https://taghribnews.com/vdcd590sjyt0fn6.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز