تاريخ النشر2017 17 December ساعة 10:01
رقم : 295676

طلال عتريسي : الحضارة الغربية في تدهور والبشرية تبحث عن حضارة انسانية

تنا – خاص
قال الباحث فی الشؤون السياسية والاسلامية ان البشرية اليوم تبحث عن قيم انسانية واخلاقية المتمثلة اليوم بالدين الاسلامي والحضارة الاسلامية ، ولهذا السبب فان الحضارة الغربية في تدهور وفي طريقها الى الافول .
طلال عتريسي
طلال عتريسي
الدكتور طلال عتريسي من مواليد 1952 للميلاد وخريج علم الاجتماع من جامعة سوربون الفرنسية و أستاذ علم الاجتماع ومدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية  في بيروت. صدرت له مؤلفات ودراسات عدة في قضايا اجتماعية وتربوية وسياسية.
 
الباحث في علم الاجتماع الدكتور طلال عتريسي وفي حواره مع وكالة انباء التقريب قال إن التجربة الغربية التي قدمت نفسها في القرنين الماضيين حضارة انسانية عالمية، بسبب تقدمها العلمي والإختراعات التي توصلت اليها في المجالات التكنولوجية والفضائية والطبية وغيرها..تشهد اليوم تدهورا"خطيرا" على مستوى القيم الإنسانية في كل المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية. بحيث بات الكثير من المفكرين والفلاسفة الغربيين يتحدثون بكل ثقة عن أفول الحضارة الغربية ، وعن تدهورها المتسارع وحتى عن موتها الوشيك. ما يعني أن العالم يحتاج الى هذا البعد الإنساني في الحضارة التي يتطلع اليها.

واكد ان البعد الإنساني الإخلاقي الذي يشدد عليه الدين الإسلامي.بحيث تكون القيم الأخلاقية الدينية هي الحاكم على السياسة وعلى الإقتصاد، وعلى الإدارة وعلى الحرب، وعلى السلم...هو جوهر الحضارة الاسلامية حيث التراث الإسلامي النبوي يزخر بالروايات والإحاديث التي تبحث تفصيلا" في كل هذه الجوانب في إدارة المجتمع في حالاته المختلفة".
ومن ثم اشار الى نجاح المسلمين في بناء حضارة على ضوء ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ، تتناول شؤون الدنيا والآخرة، وما تفاعل معه المسلمون من حضارات ومن تراث الشعوب التي تمازجوا معها، ما أتاح لهم الريادة في المجالات العلمية والأدبية والفنية والثقافية على اختلاف مداراتها. 
 
عوامل انحطاط الحضارة الاسلامية الاولى
واماعن سبب تدهور واضمحلال الحضارة الاسلامية الاولى اشار الى الدكتور عترسي الى بعض هذه العوامل قائلاً ان الاسباب قد تكون سياسية او اقتصادية او ثقافية  او اخلاقية حيث ادتى الى تراجع قوتها وعزتها "شهدت المجتمعات الإنسانية حضارات عدة، تعرضت بمرور السنين الى تحولات انتهت بغيابها، ولم يتبق من بعضها الا اليسير مما تذكره كتب التاريخ، أو مما انتقل عبر الأجيال من ممارسات وتطلعات ثقافية، أو قيم وعادات وتقاليد تنتمي الى تلك الحضارة التي كانت سائدة".

واوضح " قد تعرضت الحضارة الإسلامية التي سادت لقرون لبعض هذه المتغيرات التي أشرنا اليها. فقد شهد العالم الإسلامي الذي قدم حضارة إنسانية ونتاجا"ثقافيا" واسعا" تنازعا" على الملك أدى الى الإستعانة بجيوش خارجية، للسيطرة على الحكم والقضاءعلى المنافسين.كما تحول الحكام الى اللهو واقتناء الجواري.. ولم تعد الشروط  الدينية والأخلاقية هي أساس الحكم وقيادة الناس، وتولي شؤونهم.حتى أن أساليب القتل والإغتيال باتت شائعة لخلفاء لم يبقوا في مواقعهم سوى بضع سنوات قبل أن يقتلوا على يد أحد أبنائهم، أو أحد اقاربهم...

ويقول رشيد رضا في هذا المجال نقلا عن الإمام محمد عبده : "إن الحكام لم يفهموا من معنى الحكم الا تسخير الناس لأهوائهم واذلال النفوس لسلطانهم وجمع الثروة وابتزاز الأموال لإنفاقها في إرضاء شهواتهم لا يراعون في ذلك عدلا" ولا قانونا" حتى أفسدوا أخلاق العامة بما حملوها على الكذب والنفاق والغش وكانوا أسوأ مثل يقتدى به في الشعب".
 
واکد ان من عوامل انحطاط الحضارة الاسلامية الاولى هو ان الكثرة والتفرق حلّت محل الوحدة حيث  قامت على أنقاض الدولة الواحدة ممالك ودول عدة، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه. دول وممالك متنافسة ومتصارعة في ما بينها.

حتى في المجال العلمي والفقهي خاصة توقف حركة الاجتهاد وتدهور الحياة العلمية حسب ما يراه المفكر الاسلامي طلال عتريسي شكّلت احدى عوامل انحطاط المسلمين بعد العصر الذهبي للحضارة الاسلامية الاولى ، مشيرا الى إقبال الحكام والولاة على الدنيا وملذاتها ولهوها، في تعميم هذه الثقافة في المجتمع الإسلامي بحيث اثرت هذه الثقافة على الإهتمام بالجوانب العلمية والفكرية والبحثية. كما أن السلطات واجهت ومنعت أي فكر نقدي،وعاقبت المخالفين بالقتل والسجن والتعذيب.

و اوضح "مع توقف حركة الإجتهاد رسميا" لم يعد بمقدور الدين والفقهاء الإجابة عن تحديات العصر.ما أدى الى تراجع دور الدين في الحياة الإجتماعية، ليحتل مكانه أفكار وعقائد وإيديولوجيات أخرى التحق بها كثيرون في العالم الإسلامي، بحثا" عن إجابات عن التحديات الإقتصادية والتربوية والسياسية والثقافية...كما أدى إقفال هذا الباب الى ظهور التيارات التكفيرية التي نشهد اليوم ما تقوم به من ممارسات دموية تستند فيها الى فتاوى يطلقها أمراء لا يفقهون من الدين إلا ظاهر النص وحرفيته، وفي الوقت الذي يستغرقون  في البحث عن تفاصيل إيمان الأفراد، يغفلون البعد الحضاري الإنساني للإسلام.
وشدد الدكتور عتريسي  إن تدهور الحضارة الإسلامية لم يحصل دفعة واحدة ، بل مر هذا التدهور بمراحل تدريجية،  كما حصل مع الحضارات الأخرى . ولم يكن هذا التدهور نتيجة عامل واحد مثل جور الحكام، أوالفساد، او الصراع على السلطة،بل كان نتيجة عوامل عدة ساهمت بشكل متفاوت من حيث التاثير والقوة وفي مراحل مختلفة في الوصول الى الإنحطاط والتدهور والغياب عن الساحة الحضارية العالمية. فالعلاقة بين الانهيار الداخلي والأخطار الخارجية على سبيل المثال، هي علاقة جدلية، بحيث لا يمكن أن نفصل بين أسباب التدهور الداخلية وبين الضغوط الخارجية في الوقت نفسه.وكلما كان التدهور الداخلي قويا" كان التدخل الخارجي أكثر سرعة وأكثر فاعلية.
 
ولم یغیب عن ذهن الخبير في الشؤون الاقليمية والدولية ان شير الى دور الدول الاستعمارية في العصر الحاضر في تأخر وانحطاط الدول الاسلامية من خلال تدخلها المباشر في شؤون هذه الدول وتقسيمها ومنعها من التلاقي والوحدة والتلويح بمشاريع تقسيم سوريا والعراق .

كما اشار الى مساهمة بعض الحكام والرؤساء في تبرير هذه الإستراتيجية من خلال الإعتماد على الغرب لحماية ملكه من أي تهديد داخلي، أو من أي تهديد خارجي. ما سيؤدي الى المزيد من التبعية وفقدان الإستقلالية على المستويات كافة، والى المزيد من التدخل الخارجي والهيمنة. 

العقبات والصعوبات أمام بناء الحضارة الاسلامية الحديثة
واما عن الصعوبات والعقبات التی تعتری طريق بناء الحضارة الاسلامية الحديثة اشار الدكتور عتريسي الى بعض هذه العقبات منها فقدان ثقة كثير من المثقفين والنخب بقدرة الإسلام على تقديم هذا النموذج الحضاري. ويرجع ذلك الى هيمنة النموذج الغربي من جهة، والى حالات الضعف والتفكك، والى الحروب التي تشنها بعض الدول على دول أخرى،  والى التبعية الفكرية والثقافية والسياسية للغرب.
 
ومن صعوبات هذه العودة الحضارية ، أن العالم الإسلامي لم يقدم رؤيتة الإنسانية الشاملة لمعالجة المشاكل الراهنة والملحة، مثل الفقر والبطالة والتنمية، التي تنتشر في بلدانه وبين شعوبه، وكذلك بالنسبة الى المشكلات الإقتصادية والعمرانية التي جعلت الدراسات الغربية تصف هذه البلدان الإسلامية في تقاريرها عن التنمية البشرية بالتخلف. كما اعتبر الكثير من المثقفين المسلمين ومن الغربيين غير المسلمين، أن سبب هذه المشاكل يعود الى الدين الإسلامي نفسه الذي لا يمتلك الرؤية المناسبة لحل هذه المشكلات.

ثمة معادلة لا بد من الإشارة اليها في البحث عن سبل استعادة الحضارة ، حسب ما يراه المفكر الاسلامي طلال عتريسي في حواره هذا ، وهي الترابط بين قوة الأمة، أو قوة الدولة، وبين هيمنة حضارتها، وانتشار لغتها واعتبارها حضارة عالمية.

واکد انه متى انهارت هذه الدولة أو ضعفت أو تراجعت على المستويات العسكرية أو الإقتصادية، أوتفتت جغرافيا" فإنها لن تتمكن من تقديم نفسها كنموذج حضاري عالمي.وهذا ما حصل مع الدولة العثمانية بعد سقوطها،ومع أوروبا بعد الحربين العالميتين، ومع الإتحاد السوفياتي بعد تفككه وانهياره.

ولفت الى ان تفكك الاتحاد السوفيتي  دفع بعض المفكرين الأميركيين (فوكوياما) الى الإستنتاج بأن النموذج الحضاري الغربي هو الذي انتصرعلى النموذج السوفياتي الإشتراكي، وأن التاريخ قد انتهى بنهاية هذا الصراع بين النموذجين.
وهذا يعني أن من أولويات استعادة الحضارة الإسلامية، هو تأكيد استقلالية الدول الإسلامية عن التدخل الغربي، وحماية سيادتها. ومنع تفكك الدول الإسلامية، ورأب الصدع  بينها، وإقفال الأبواب على التدخل الخارجي، وتوحيد الجهود للتقريب الفكري والمذهبي .

 كما تعني إستعادة هذه الحضارة مواجهة التحديات الفكرية والسياسية المباشرة وتقديم الرؤى الإسلامية المقنعة لهذه التحديات، وهذا يفترض  :

-   نقد المبررات الفقهية التراثية التي تؤصل للإستبداد وطاعة الحاكم.

-  فتح باب الاجتهاد واعادة الحيوية للفقه السياسي الإجتماعي الاسلامي.

-  مواكبة  الفقه والإجتهاد لمتغيرات العصر وتحدياته السياسية والإجتماعية والإقتصادية للإجابة عن أسئلة مثل حقوق المرأة والتعامل مع الإحتلال، وقضايا التنمية، والديمقراطية، والحريات، وقية الأقليات، والفساد، والفردانية، ومستقبل الأسرة، والهوية الثقافية، وغيرها مما يثار اليوم من أطروحات حداثية، وحتى  ما بعد حداثية ،في المجالات الفكرية والثقافية في العالم الإسلامي.

-  التربية على قيم الكرامة والحرية وعلى عزة المسلمين.

-  إعادة الإعتبار للبحث العلمي والإنفاق على هذا البحث بما يتناسب والتطورات المعاصرة والحاجات والتحديات المعرفية المتجددة.

وفی ختام الحوار اکد الدكتور عتريسي ان ما  تقدم من شروط لاستعادة بريق الحضارة الإسلامية يبدو صعبا" في ظل واقع التجزئة والتبعية التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم.لكن ما يختزنه الإسلام من طاقات وما قدمه المسلمون من تجربة تاريخية، تجعل من الممكن الإفتراض  بإمكانية استعادة هذا الدور الحضاري، اذا استطاع المسلمون أن يستوفوا الشروط المناسبة التي تعيد لهم ألق هذه الحضارة ...
اجرى الحوار : محمد ابراهيم رياضي
 
https://taghribnews.com/vdcefn8wpjh8opi.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز