تاريخ النشر2015 26 December ساعة 21:59
رقم : 216220
الشيخ نبيل الحلباوي في حوار مع وكالة انباء التقريب ( تنا ) :

التوعية الثقافية الحقيقية في طليعة مهام علماء الاسلام

تنا - خاص
الشيخ الدكتور نبيل الحلباوي ، احد كبار علماء الاسلام العاملين في سوريا و عضو المجلس الاعلى للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام )، يتواجد في طهران للمشاركة في المؤتمر الدولي التاسع و العشرين للوحدة الاسلامية الذي يعقد تحت شعار " الأزمات الراهنة في العالم الاسلامي " . . عشية انعقاد المؤتمر التقينا الدكتور الحلباوي نستطلع آرائه و تصوراته إزاء المخاطر و التحديات التي تواجه العالم الاسلامي في ظل الظروف الراهنة .
التوعية الثقافية الحقيقية في طليعة مهام علماء الاسلام
في معرض رده على سؤال عن ابرز التحديات التي تواجه العالم الاسلامي و سبل التعاطي معها ، يقول الشيخ الدكتور الحلباوي : التحدي الاكبر الذي واجه الاسلام على مر التاريخ  يتمثل بالمحافظة على نقاء الاسلام و ابعاد الاسلام عن ألوان التشويه و التحريف و التزييف التي تتربص به . و في هذا الصدد نستطيع القول أن جهود الائمة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين تلقوا علومهم  من رسول الله (ص) كانت تنصب بالحفاظ على الاسلام لئلا تناله يد التشويه و التحريف . و من المؤسف أننا وقعنا اليوم فيما كنا نحذر و الذي شوه صورة الاسلام و قدمه بصورة بشعة مفرغة من كل المضامين و القيم ينفر منها الناس و ينظر اليها الكثيرون نظظرة شك و ريبة .

و يمضي سماحته بالقول : التحدي الآخر هو الحفاظ على المجتمع الاسلامي موحداً ، و أن يحفظ لهذه الامة وحدتها في الرؤية الكبرى ، و وحدتها في الاستراتيجية التي تسلكها ، و وحدتها في المواقف ازاء ما يواجهها من اخطار . أما التحدي الثالث فهو مواكبة الاسلام لمقتضيات العصر ، و تقديمه الى الشباب في هذا العصر الذي تطور كل شيء فيه بما في ذلك ثورة الاتصالات . و عليه فأن هذه التحديات تعتبر في تصوري تحديات اساسية و في عمق الصراع بين الاسلام و من يريدون القضاء عليه . و هذا يعني أننا لو حافظنا على نقاء الاسلام ، و على وحدة الاممة الاسلامية ، و كذلك حافظنا على طرح و تناغم رؤيتنا الى الاسلام مع مقتضيات العصر ، كان بوسعنا تحصين شبابنا من التأثر بكل ما يهدد ايمانهم و معتقداتهم .

و في ضوء كل ذلك ، سألنا الدكتور الحلباوي عن انطباعه ازاء رسالة سماحة القائد الامام الخامنئي الى الشباب في الغرب و مدى اهميتها و جدواها في ظل الظروف الراهنة ؟  فأوضح سماحته : ما استطيع قوله هو أن الامام الخميني (رض) مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران ، كان يمتاز دائماً بأنه يسبق عصره ، و هكذا السيد القائد آية الله الخامنئي  - الخلف الصالح للامام الخميني -  يولنا و يستهدف شبابنا مضي دائماً الى الامام و يشد الآخرين للانطلاق معه . و من الواضح ان سماحته  يرى ان هذا الغرب الذي  يهاجمنا في فكرنا و في عقولنا و يستهدف شبابنا ، حري بنا أن نقوم تجاهه بالفعل و ليست ردة الفعل ، بأن نذهب اليه و نحاول التأثير على شبابه بصورة ايجابية ، و ليس تأثيراً سلبياص مثلما تفعل للأسف التيارات التكفيرية و الارهابية المتطرفة التي استطاعت ان تجذب بعض الشباب الغربي . و مما لا شك فيه ان الشباب في الغرب متعطش و تواق الى القيم و المعنويات و المعاني الدينية . فاذا قدمنا القيم و المفاهيم الدينية لهؤلاء الشباب بالطريقة اللائقة و المناسبة و الايجابية ، فان باستطاعتنا تحقيق الكثير في هذا المجال .

و يتابع سماحته : و لهذا ارى أن رسالة سماحة القائد جاءت في وقتها و في مكانها و بآفاقها ، و لا يخفى أنها الرسالة الثانية مما يشير الى أن سماحة القائد انتهج نهجاً يريد أن يتابعه لينفتح على كل اولئك الشباب لعلها تحقق اهدافها . و لكن المهم ايضاً هو أن نكون في خدمة هذه الرسالة و أن نتخذ منها خطوطاً عريضة للوصول الى اولئك الشباب .

 و حول رؤيته الى رسالة علماء الاسلام  في ظل الهجمة الشرسة التي تستهدف هوية الامة الاسلامية و كيانها ، يقول الشيخ الحلباوي : في الحديث الشريف ، إذا ظهرت الفتن على العالم أن يظهر علمه . و أن مشكلتنا تكمن في أن دورنا ياتي متأخراً دائماً بدلاً من ان يكون متقدماً و رائداً .. العالم يجب ان يكون رائداً ، يجب أن يكون قائداً ، يجب ان يكون متقدماً . يجب أن ينطلق للقيام بواجبه و تكليفه دون ان ينتظر اشارة من أحد ، دون ان ينتظر دعوة من أحد . لو ان علماءنا الكرام قاموا بأدوارهم كما ينبغي في بلدانهم و في مجتمعاتهم ، لكان بوسعنا تحقيق الكثير . و في ضوء ذلك تكتسب هذه المؤتمرات اهميتها في قدرتها على جمع هؤلاء العلماء لتتلاقى افكارهم و رؤاهم و يشجع بعضهم بعضاً ، و ليأخذ بعضهم من حرارة بعضهم ، و لا يخفى أن في ذلك خير كثير بإذن الله تعالى .

و سألنا الشيخ الدكتور الحلباوي عن  المسؤول عن استفحال المد التكفيري و انتشار العنف و الارهاب على صعيد المجتمعات الاسلامية و الغربية ايضضاً ، فأجاب موضحاً : أنا ارى ان القضية لها جذور ، و ان الجذر الاكبر لهذه القضية هو ان الغرب لم يقم بدور استعماري عسكري و اقتصادي و سياسي في منطقتنا ، و أن كل تلك الالوان من الاستعمار مكشوفة و قد قاومناها و استطعنا التحرر من أسرها الى حد بعيد . و لكن الدور الاخطر الذي قام به هو الدور الثقافي . و في هذا الصدد أنا اشير الى نبتة طبخت ذات يوم في مطابخ الغرب و التي تمثلت في الوهابية المنغلقة و المتشددة ، و كانت في الواقع أشبه بالشجرة الخبيثة التي أتت اكلها حيث انتجت أناساص ليس لهم شغل غير تكفير المسلمين و إثارة لاحقاد بين المسلمين و الحكم عليهم  بالشرك .

و يمضي سماحته بالقول : كان ينبغي التنبه منذ البداية الى هذه النبتة الخبيثة . و انا هنا استذكر جهود العلماء الرياديين  امثال العلامة السيد محسن الامين ، العالم الفذ و المصلح الكبير و المجدد العظيم . إذ ان هذا العالم الفاضل ألف في ذلك الوقت كتاب " كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب " ، و جاء فيه بكلام دقيق و هام ، حتى أنه كشف جذوراً يهودية لتلك النبتة .

و يضيف : فلابد لنا في الواقع من التصدي للاخطار في العمق ، و ان نقوم بالدور الثقافي الحقيقي الذي يمثل اعظم رسالة للعلماء ، و عدم الانشغال بالادوار الهامشية .

و عن السبل الكفيلة بالحد من الخلافات المذهبية و التفرقة الطائفية في المجتمعات الاسلامية ، يرى الاستاذ الحلباوي : الخلافات المذهبية بما هي الوان من التنوع و الاختلاف ، أمر طبيعي يجب ان نتقبله و ان تتسع قلوبنا و عقولنا له . و لكن الخطير في المسألة هو أن نبني على الاختلاف خلافاً ، و ان يبنى على اساس هذا التنوع صراعاً ، و أن يتحول هذا الغنى الى لون من الفقر و الافتقار للاسلام و دوره في حياة الناس . فلن تكون هناك الى الابد رؤية واحدة للتوجهات الفقهية و الفكرية و العقائدية بين المسلمين .

 و يتابع سماحته : اذا قبلنا ذلك و استوعبناه و انطلقنا الى التركيز على المشتركات و ما اكثرها و اعظمها ، و جعلنا من هذه المشتركات خطاً عريضاً ننطلق فيه جميعاً بحب و تناغم و انفتاح ، ندعو الى الاسلام المشترك ، الاسلام الرحب ، الاسلام الواسع ، الاسلام الذي يسع البشرية جمعاء ، و يتسع لطموحاتها و تطلعاتها ،حينها  نستطيع ان نحقق ما نصبو اليه بإذن الله تعالى . 

و حول تقييمه لنشاطات المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية  في هذا المجال، و الى أي حد  نجحت في الحد من الاحتقان الطائفي ،  يوضح الشيخ الحلباوي :  في مقابل تلك النبتة التي أشرت لها ، كانت ثمة نبتة طيبة رعاها المرجع الديني السيد البروجردي و العديد من مشايخ علماء الازهر الشريف ، و التي عرفت يومها بدعوة " جماعة التقريب " ، التي لاقت قبولاً واسعاً و رائعاً من جموع المسلمين بمختلف مذاهبهم . و في ظل تلك الجماعة صدرت مجلة " رسسالة الاسلام " التي استمرت في الصدور لأكثر من عشرين سنة ، و ضمت ابحاث رصينة و قيمة و رائعة يتشاطرها العلماء الاجلاء .

و اضاف : حينما أريد لهذه النبتة أن تذوى في مصر ، تلقفتها ايران الاسلام  بجهود التقريبيين الكبار امثال الشيخ واعظ زاده خراساني ، و الشيخ محمد علي التسخيري و نظرائهم ، و انطلقت الى آفاق بعيدة ، و تواصل هذه المسيرة اليوم  تقدمها و انجازاتها في ظل توجيهات آية الله الشيخ محسن الاراكي . و باختصار يمكن القول بكل ثقة ، أن مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية يقوم اليوم بجهود قيمة تستحق الشكر و التقدير و تدعو للتفاؤل .

و أخيراً سألنا الشيخ الدكتور نبيل الحلباوي عن السبل الكفيلة ببلورة موقف اسلامي موحد  للحد من التطرف الديني بمختلف اشكاله ، فأجاب  موضحاً : أنا أرى أن ذلك بحاجة الى جرأة ، و الى اساليب تواصل لا تنقطع و لا تهدأ . و يجب ان لا نيأس حتى و لو لم يستجيبوا بادىء ذي بدء ، و لكن بالالحاح و التأثير و استثارة ما لديهم من ضمير و من وجدان و من احساس بالمسؤولية ، يجب أن نصل اليهم .و إلا فأن الوضع القائم على الارض لا يرضي محباً و لا حريصاً .. نحن كلنا في مركب واحد ، و كما حذر رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، لو حصل ثقب أو خلل في هذا المركب فسوف نغرق جميعاً . و لا يخفى أن هناك تيارات علمانية و الحادية و استعمارية و صهيونية  تتربص بنا ، فلابد ان نبادر الى ذلك بكل همة و نشاط و تضحية على هذا الصعيد .
 
 
 
https://taghribnews.com/vdccieqix2bqsi8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز