تاريخ النشر2018 18 October ساعة 22:48
رقم : 369767

العراق بعد عام من هزيمة "داعش"

تنا
لا شك أن الحاق الهزيمة العسكرية بتنظيم "داعش"، كان أمراً في غاية الأهمية، لأنه من جانب حافظ على وجود الدولة العراقية، في ذات الوقت الذي أثبت، أن العراقيين - بعناوينهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم المختلفة - قادرين على الدفاع عن بلدهم.
العراق بعد عام من هزيمة "داعش"
عادل الجبوري
 في مثل هذه الأيام من العام الماضي، كان العراق على موعد مع حدث كبير، ونقطة تحول تاريخية، وانعطافة مهمة، تمثلت باستكمال تحقيق النصر الشامل على تنظيم "داعش" الارهابي بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من اجتياحه مساحات غير قليلة من الجغرافيا العراقية، بدعم وإسناد من قوى اقليمية ودولية، كانت تخطط لأمور خطيرة للعراق ولدول المنطقة على وجه العموم.
  
ومثلما لم يقتصر خطر العدوان الداعشي على العراق فحسب، فإن تحقيق النصر الشامل عليه، انعكس على واقع المنطقة، وربما العالم أجمع.
 
ولا شك أن الحاق الهزيمة العسكرية بتنظيم "داعش"، كان أمراً في غاية الأهمية، لأنه من جانب حافظ على وجود الدولة العراقية، في ذات الوقت الذي أثبت، أن العراقيين - بعناوينهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم المختلفة - قادرين على الدفاع عن بلدهم.
 
من جانب آخر، أحبط المخططات والاجندات الرامية الى دفع العراق نحو الهاوية، وإغراقه في دوامة الصراعات الدموية الداخلية، وهي بصورة أو بأخرى ذات المخططات والأجندات التي أطلت برأسها في عام 2006، بعد استهداف مرقد الامامين العسكريين (ع) في مدينة سامراء المقدسة من قبل تنظيم "القاعدة" الارهابي.
 
ويمكن أن نحيط بطريقة تفكير أصحاب المخططات والأجندات الخارجية، من خلال تأكيدات ساسة وقادة عسكريين اميركيين بعد العدوان الداعشي على العراق في صيف عام 2014، بأن القضاء على "داعش" يحتاج ثلاثين عاما! في ظل عمل متواصل لجعل هذا الافتراض أمراً واقعاً لا مناص منه.
 
وبعد حوالي أربعة أشهر من العدوان الداعشي على العراق، ظهر وزير الحرب الاميركي الاسبق ليون بانيتا ليقول "ان القتال ضد جماعة داعش الارهابية سيكون صعبا وقد يستغرق عقودا، وأعتقد ان الحرب ستستمر نحو ثلاثين عاما، وقد يمتد تهديد التنظيم المتطرف الى ليبيا ونيجيريا والصومال واليمن". واخرين غير بانيتا في البيت الابيض والبنتاغون والخارجية والـ(سي.اي.ايه) ومراكز بحوث ودراسات اميركية مختلفة، قالوا بذلك ونظّروا له كثيرا.
 
ولعلها كانت صدمة كبيرة للأميركيين وحلفائهم وأتباعهم، حينما أعلن العراق تطهير كل مدنه ومناطقه من عصابات "داعش" الارهابية في النصف الاول من شهر تشرين الاول-اكتوبر من عام 2017، أي بعد ثلاثة أعوام وليس ثلاثين عاما من انطلاق العدوان الداعشي!
 
ولا شك أن النظرة الشاملة والعميقة، تؤكد أن الحاق الهزيمة العسكرية بـ"داعش"، كانت الخطوة الأساسية، والمقدمة الصحيحة للعمل على الخطوات الأخرى، التي لم تكن تقل أهمية عنها، بل إن كلاً منها أكملت وتممت الأخرى.
 
وثمة مظاهر عديدة يمكن تشخيصها والإشارة اليها في عموم المشهد العراقي العام، برزت وتجلت واضحة بعد تحقيق الانتصار الشامل على "داعش".
 
فعلى صعيد العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والأجساد الانتحارية، تؤكد مجمل الارقام والمعطيات، تسجيل تراجع كبير في هذا الجانب، ولعل تتبع الاحصائيات الشهرية التي تصدرها بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) يؤكد ذلك، علما ان احصائيتها الاخيرة لشهر ايلول - سبتمبر الماضي، سجلت ادنى عدد لضحايا الارهاب في صفوف المدنيين العراقيين، منذ خمسة عشر عاما.
 
وهذا شيء متوقع، اذا عرفنا أن الحرب ضد "داعش"، طيلة ثلاثة أعوام ونصف أسفرت عن تفكيك الجزء الاكبر من خلايا ومجاميع التنظيم الارهابي وتجفيف منابعه ومصادر تمويله ومسارات تحركه في مساحات واسعة، امتدت من جنوب العاصمة بغداد، مرورا بمحيطها من الغرب والشرق صعودا الى محافظات ديالى وسلاح الدين وكركوك ونينوى، وحتى تخوم اقليم كردستان.
 
الى جانب ذلك، فإن عودة القسم الأكبر من النازحين الذين تركوا بيوتهم ومدنهم هربا من سطوة عصابات "داعش" في صيف عام 2014 وما بعده، أشارت الى أن الامور تسير بالاتجاه الصحيح، وإن بدا ذلك بطيئا نوعا ما.
 
وفي واقع الامر، مثلت موجة العودة الكبيرة للنازحين، احدى نتائج وثمار استتباب الاوضاع الامنية في كثير من المناطق بعد طرد "داعش" منها، في ذات الوقت، فإنها هيأت الارضيات والمناخات الملائمة لترسيخ مبدأ التعايش السلمي، وإعادة بناء الثقة بين المكونات الاجتماعية المختلفة، رغم ان هذه العملية تحتاج الى وقت طويل وجهد كبير وتخطيط سليم، تضطلع بها جهات متعددة، حكومية وغير حكومية، ولكن لان الصراعات الداخلية في العراق طارئة، لذلك فإن اعادة الامور الى نصابها الصحيح ممكنة ومتاحة.
 
وفي هذا السياق، يرى خبراء ومتخصصون، أنه متى ما استتبت الاوضاع الامنية، وتوافرت مستلزمات الحياة اليومية الاساسية، وانخفظت حدة التشنجات والاحتقانات السياسية، انحسرت الى حد كبير عوامل التوتر والشد المجتمعي القائمة على محركات طائفية وقومية ومذهبية ودينية ومناطقية.        
 
وهذه الرؤية التي تبدو واقعية جدا، تشير الى أن تحديد مسارات صائبة للعملية السياسية، وصياغة برامج علمية عملية في الاطار الحكومي، تنعكس ايجابيا على حياة المواطن العادي، يمثل احد ابرز سبل العلاج والتصحيح المطلوب، الذي بدونه قد تبقى الامور تدور في حلقة مفرغة، ويمكن ان نشهد - لا سمح الله - عودة مقلقة للارهاب بمسميات وعناوين جديدة اخرى غير "القاعدة" و"داعش"، ولكن بنفس الادوات والاساليب والمحركات والافكار والمحفزات.    
 
واذا كان العدوان الداعشي قد شكل تهديداً حقيقياً خطيراً لمجمل العملية السياسية في العراق، فإن إلحاق الهزيمة بـ"داعش"، حافظ على ما تحقق من منجزات خلال الخمسة عشر عاما الماضية، وإن لم يكن بمستوى الطموحات والتوقعات، وبالتالي تجنب الانسداد السياسي، والتقاطعات الحادة، والطرق الموصدة، والحرص على الدفع باتجاه تفكيك العقد، وحلحلة الخلافات بين الفرقاء، ضمن سقف الدستور وفي اطار الفضاء الانتخابي، معززا بموقف موحد في الميدان خلال الحرب ضد داعش، ثبت انه كان العامل الحاسم في تحقيق النصر على داعش. 
 
وتحقيق ذلك النصر الكبير والتاريخي المهم، أفرز معادلات جديدة، وثبّت حقائق مغايرة لما هو راسخ في الاذهان، لم يعد بالامكان تجاهلها والقفز عليها، من قبيل بروز محور المقاومة، كرقم صعب ومؤثر في ساحة الصراع والمواجهة، ليس في العراق فحسب، انما في عموم الفضاء الاقليمي، وفشل اللاعب الاميركي في إمرار اجنداته، وافتضاح دور اللاعب الاقليمي التابع للاعب الاميركي، في مخطط دفع المنطقة الى الاحتراب والفوضى، وبؤس النظرية او الفكرة القائلة، إن التفوق العسكري والمالي والاعلامي هو من يحسم نتائج المعارك والحروب، ولو كان الامر كذلك، لكانت واشنطن والرياض و"تل ابيب" في وضع أفضل بكثير مما هي عليه الان.
https://taghribnews.com/vdch-wnxq23n-qd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز