تاريخ النشر2011 4 January ساعة 12:04
رقم : 35797
بقلم الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي *

خطوة في الطريق الصحيح في التقريب بين مكوني الأمة السنة والشيعة

وكالـة أنبـاء التقريـب(تنـا)
السنة والشيعة مكونان أساسيان للدين الإسلامي وللعالم الإسلامي سواء كان ذلك من الناحية العددية أو الناحية التاريخية أو الناحية العلمية والفكرية بمختلف تجلياتها.
خطوة في الطريق الصحيح في التقريب بين مكوني الأمة السنة والشيعة
والأمة الإسلامية التي هي واحدة بصريح الآية القرآنية (وأن هذه أمتكم امة واحدة..) وهي واحدة في إيمانها بالله والواحد الأحد وهي واحدة في إتباعها واقتدائها بصاحب الرسالة سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) وهي واحدة في اهتدائها بهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن الكريم الذي هو نفسه الذي يستحضره عن ظهر قلب عشرات الآلاف من الحفاظ السنة والشيعة، لا يختلفون في سورة من سوره ولا يختلفون في آية من آياته ولا حتى في كلمة من كلماته تشهد بذلك نسخ الكتاب العزيز سواء منها المطبوعة في بلاد السنة أو المطبوعة في بلاد الشيعة، وكذلك أمر ما هو مخطوط. 

يضاف إلى ذلك توجه المصلين من السنة والشيعة إلى نفس القبلة فالجميع وبدون استثناء يولون وجوههم شطر المسجد الحرام الذي في مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة (أول بيت وضع للناس) في الأرض والى هذا البيت العتيق يشد الرحال كل عام الآلاف من ضيوف الرحمان
سنة وشيعة لآداء مناسك الحج وزيارة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة. 

فإذا أضفنا إلى كل هذه العوامل التي تجمع بين السنة والشيعة عوامل أخرى أهمها أن المنطوق والمفهوم من النصوص الشرعية المحكمة تدعو بإلحاح المسلمين: سنة وشيعة إلى وحدة الكلمة واجتماع الشمل وتحذر وتتوعد من مغبة الفتنة والفرقة والتنازع والاختلاف (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وتبشر بالعقاب الشديد والعذاب الأليم لمن ينتهك دم أو عرض أو مال مؤمن ينطق لسانه بالشهادتين (إلا وان دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة الشهر الحرام إلا هل بلغت اللهم فاشهد) فهل بعد هذا البيان بيان وهل بعد هذه الحجة حجة؟!

فإذا نظرنا في هذه المسألة (وجوب الاتحاد بين مكوني الأمة السنة والشيعة) برؤية أعمق وابعد مدى وأكثر وعيا بالواقع المعيش في دار الإسلام على امتدادها وطبيعة التحديات، فضلا على تتابع الشواهد والبراهين على خطورة ما يدبر وينفذ من مؤامرات من اجل العمل على بث الفرقة والنزاع والاختلاف بين مكوني الأمة من سنة وشيعة والحيلولة دون أي تقارب وتعاون وتكامل بينهما كل ذلك يدعو عقلاء الأمة وقادة الرأي والفكر وولاة الأمور بالخصوص القادة الدينيين في الجانبين كي يكونوا واعين بكل هذه الأمور ويتحملوا مسؤولياتهم أمام الله وأمام التاريخ ويتقوا الله في الأمة ودينها ويقفوا بالمرصاد في وجه كل المحاولات الخبيثة
والشريرة لبث الفتنة والفرقة في صفوف الأمة بمختلف مكوناتها وفي كل بلدانها.

* لا ينكر احد أن فترات من تاريخ الأمة شهدت مآس فضيعة تذوب الأكباد تألما من مجرد تذكرها واستحضارها، لقد كان ما كان مما لا داعي لذكره لأنه مؤلم ومحزن ومخجل ومغضب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
* وليس مكتوبا على الأمة أن تعيد الكرة كل مرة فتتنازع مكوناتها وتتباغض وتتقاتل هكذا بعقلية ببغاوية وبتقليد أعمى حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من قبلكم سنةً بِسُنة حتى إذا دخلوا حجر ضب دخلتموه وراءهم!!).
* ليس مقدرا على الأمة الإسلامية أن يظل حاضرها أسيرا لماض غير مشرق ولا مشرف.
لماذا نجني على الأجيال الجديدة من السنة والشيعة فنجعلهم يتوارثون الكراهية والبغضاء بل وندفعهم إلى قتل بعضهم البعض وسفك دماء بعضهم البعض؟
* أما آن لنا أن نلتقي على المجمع عليه والمتفق فيه وهو الأكثر والأغلب فنجعله منطلقا ودافعا قويا للبذل والعطاء ولتجسيم الخيرية الفعلية للأمة الإسلامية والتي هي تآخ صادق وتعاون كامل على كل ما من شأنه أن يجعل من المسلمين أعزة ويجعلهم الوارثين.
* ونحن إذا توجهنا بهذا الوجهة الذي فيه مرضاة الله ورسوله فسنفوت على أعدائنا - الذين ينبغي أن نتوقع منهم دائما الاصطياد في الماء العكر- فرص الكيد لنا والتآمر علينا.
* لقد تعالت ومنذ منتصف القرن الماضي أصوات حرة من بين صفوف السنة والشيعة من اجل
التقريب بين مكوني الأمة الرئيسيين وتجسمت هذه المبادرة في إنشاء مراكز وإصدار مجلات ودوريات وعقد مؤتمرات وندوات بل وقررت مذاهب السنة والشيعة في برامج جامعة الأزهر وتضمنت موسوعة الفقه الإسلامي التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة مواد مختلف المذاهب الفقهية الأربعة السنية المعروفة وأضيف إليها ما تضمنته المذاهب الأخرى من زيدية وجعفرية وإمامية وأباضية وتوفرت والحمد لله بين أيدي الباحثين والدارسين وحتى ولاة الأمور مادة فقهية ثرية لاشك أن فوائدها كبيرة وأنها مع بعضها البعض تجسم صدق مقولة صلاحية الإسلام لكل زمان ولكل مكان.
* ولم تسر الأمور مع الأسف الشديد دائما في هذا الخط القويم السليم بل قرأنا وسمعنا وحتى شاهدنا ورأينا ما ظنناه أصبح نسيا منسيا وكانت العراق ومنطقة شبه القارة الهندية مسرحا لصدامات دامية كان فيها رواد المساجد والحسينيات مستهدَفين بدرجة أولى وهم منصرفون بسكينة في التقرب إلى الله فإذا بهم أشلاء مبعثرة تتناقل شاشات التلفزيون الإسلامية والأجنبية صورهم، مشاهد مذهلة مخزية هي والله عار وشنار في جبين الأمة كلها. وما كان لمثل هذه التصرفات الرعناء الطائشة لتصدر إلا عن مجانين غسلت أدمغتهم وعبئت بكل ما الدين منه براء.
*وما صدر من تصرفات من ذلك القبيل إلا من عدم اكتراث وعدم مبالاة بفتاوى وشعارات وتصريحات وافتراءات
ونيل وسب وشتم يحرمها الله ورسوله في حق بعضنا البعض وفي حق أسلافنا الذين كان الأجدر والأولى أن لا نزج بأسمائهم في تصرفاتنا الخرقاء وفتنتنا العمياء.
* لقد آن الأوان أن ندرك بأن الكلمات التي نلقي بها على عواهنها لا نابه لها يمكن أن تتسبب للأمة في المزيد من المآسي والآلام وتتسبب لنا في غضب الله وشديد عقابه.
* إن التأسيس الفعلي للتقارب والتآخي الحقيقي إنما يبدأ بالخطاب والكلمة مسموعة ومقروؤة ومرئية في المدرسة والمعهد وعلى منبر الجمعية وفي خطبة الجمعة وفي الدرس، خطاب واحد لا ازدواج فيه، خطاب السر والعلن، خطاب الصدق مع الله ومع الأمة، خطاب الترشيد والتوجيه القويم الذي فيه التصويب وفيه الاجتناب لكل الحساسيات والتأويلات، الخطاب الذي ينهض بالأمة ويجمع كلماتها ويرتب أولياتها ويجعلها شديدة الوعي بطبيعة المرحلة ودقة تحدياتها. 

إن قادة الرأي والفكر وعلماء الأمة لدى مكوني الأمة من سنة وشيعة هم من يتحملون المسؤولية ويبدو أن سيرا في هذا المسلك القويم السليم هو ما انتهى إليه وآمن به بعض القادة الدينيين فقد قرأنا في هذا الصدد توجيها لإخواننا الشيعة من السيد علي خامنئي حيث حرم عليهم التعرض بالإساءة للصحابة وأمهات المؤمنين الأمر الذي بادر إلى مباركته والثناء عليه والترحيب به الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر.
 _________________________________________
* عضو "المجلس الإسلامي الأعلى" في تونس.

https://taghribnews.com/vdccmmq1.2bqpo8aca2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز