تاريخ النشر2018 17 July ساعة 08:14
رقم : 343619

الفقيد السيد فضل الله للمسلمين: آمنوا بقدرتكم على صنع القوّة

تنا
ليس الأنبياء شخصيات عظيمة تعيش في المجال الطبقي الّذي يصنعه الناس لعظمائهم، ولكنّهم كانوا يعيشون مع الناس، كانوا فيهم كأحدهم؛ يأكلون الطعام، يمشون في الأسواق، يفتحون قلوبهم لإنسان يعيش ألماً، من أجل أن يفسحوا المجال للفرح حتى يطرد الألم، يتواضعون للناس، ويستمعون إلى آلامهم، لا يتحسّسون في أنفسهم أيّة حالة علوّ.
الفقيد السيد فضل الله للمسلمين: آمنوا بقدرتكم على صنع القوّة
تنقل لنا سيرة الرّسول(ص)، أنّ امرأة رأته ذات يوم، فارتعدت هيبةً له، فقال لها: "هوّني عليك فإنّي لسن بملك، إنّما انا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد". فهو(ص) لم ينفتح على ما عاشته من هيبته لتكون هيبته فاصلاً بينها وبين إحساسها الإنساني به وإحساسه الإنساني بها، لأنّه لا يريد للعظمة أن تكون حاجزاً بين إنسانٍ وإنسان، كما يفعل الكثيرون الّذين يتخيّلون أنفسهم عظماء، ويرفعهم النّاس إلى صفوف العظماء، فاذا بك تجد بينهم وبين الناس حواجز، بحيث لا يعيشون التفاعل معهم، فتسقط بذلك عظمتهم.

 أمَّا رسول الله(ص)، فقد ارتفع إلى أعلى درجات العظمة، عندما نزل إلى حياة الإنسان ليحتضنه ويرحمه ويرأف به، وذلك هو سرّ إنسانيّته في سرّ نبوّته في سرّ حركة الحياة. لماذا لم يتحدّث الله لنا في القرآن الكريم عن صفاته الذاتيَّة؟! بعض الناس في أشعارهم يتحدثون عن جماله، عن لون عينيه وعن جمال وجهه، والله لم يتحدَّث لنا عن جسده. السّيرة تحدَّثت لنا عن ذلك. ولكنَّ الله أراد أن يقول لنا: أيّها النّاس، حتى الأنبياء الّذين هم رسل الله إلى النّاس، انطلقوا مع الإنسان في صفاته الإنسانيّة التي تلتقي بالإنسان الآخر. أن تكون أيّ شيء في جمالك وخصائص جسدك، فهذا شيء يخصّك لا علاقة له بالناس، لكن ما هي أخلاقك؟ ما هو احتضانك لحياة الناس؟ ما هي طبيعة أحاسيسك؟ هل هي أحاسيس ذاتيّة تعيشها في ذاتك، أو هي أحاسيس إنسانيّة تحتضن بها أحاسيس الناس؟!

نحن كمسلمين وكعرب، أمام تحدٍّ كبير، بدأ معنا منذ أن انطلقت الرّسالة في المدينة، وما زال معنا حتى الآن، والقضية أنّ هناك واقعاً يراد من خلاله أن يقال للمسلمين إنّ "بني النضير وخيبر " أصبحا من التاريخ، لقد أخذنا منكم أكثر من خيبر، وثأرنا لأكثر من بني النضير، وإذا كانوا لا يقولون ذلك بكلماتهم، فإنهم يقولونه من خلال مواقفهم.

في الحفلة الجنائزية التي حملت جنازة فلسطين في البيت الأبيض، كان رئيس وزراء العدوّ يقف ليتحدّث عن آلام اليهود في التاريخ، ويتحدّث عن يهود المنفى ومآسيهم، ولكنّ الطّرف الآخر الذي جاء يزحف إليه ويمدّ يده فترةً حتى يصافحه، لم يتحدّث عن عرب ولا عن مسلمين ولا عن شهداء ولا عن مستقبل لكلّ هؤلاء المشرّدين عن أرضهم. إنّ القضيّة هي: قالوا إنّ فلسطين هي جوهر الصّراع، وقد سقط الصّراع بالتوقيع على ورقة "الطابو".

إنّ هناك تحدّياً كبيراً قد تتابعونه بطريقة استهلاكيّة، من خلال ما تقرأونه وتسمعونه، ويقولون إنّه النظام العالميّ الجديد، ويقولون إنّها موازين القوى. ولكن علينا أن نستمع بهدوء عقلانيّ إلى قول الله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

لماذا تصرّون على أن توقفوا الدّولاب في الأسفل، وهناك إمكانية لأن يتحرّك الدولاب من الأسفل إلى الأعلى؟ لماذا لا نثق بعقولنا؟ لماذا لا نثق بإسلامنا؟ لنتحرك عقلانيّاً وعلميّاً ومادياً وروحياً وننطلق، وإذا ضاق الحاضر في مواقع القوّة، فالمستقبل قد يفتح لنا أكثر من أفق. أتريدون الشّواهد من عصرنا؟ كيف كانت بريطانيا في الأربعينات والخمسينات؟ كانت سيّدة العالم. كيف كانت أمريكا عندما كانت مستعمرة لبريطانيا؟ أين أمريكا وأين بريطانيا الآن؟ كيف كان اليهود قبل الأربعينات؟ وكيف هم اليهود الآن؟

إذا لم تكن لك قوَّة الآن، فحاول أن تؤمن بقدرتك على صنع القوّة، فقد تجد في المستقبل أكثر من موقع للقوّة. لا تكن سياستنا سياسة اللّحظة، لا تكن خطّتنا خطّة اللّحظة. المستقبل واسع، ونحن من يقرأ الحكمة: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً". ونحن نعمل لآخرتنا كأنّنا نعيش أبداً، ونعمل لدنيانا كأنّنا نموت غداً، نهزم غداً ونسقط غداً.

لماذا تتعبكم القوّة؟ وربما نجد بعضنا يخاف من أن يكتشف نفسه قويّاً، لأن قوّته سوف تتعب حياته. حياتنا هي أمانة الله عندنا، وأرضنا هي أمانة الله عندنا، وإنساننا هو أمانة الله عندنا، والله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها، وقد أرادنا الله أن لا نجهل مسؤوليتنا، فننطلق في المعرفة الّتي تعرّفنا كلّ الواقع في الحاضر والمستقبل، وليكن  انطلاقنا دوماً من خلال إيماننا بربّنا وحقّنا وأنفسنا، وعند ذلك يفرح المؤمنون بنصر الله.
https://taghribnews.com/vdcfymdm1w6djva.kiiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز