تاريخ النشر2018 28 February ساعة 13:14
رقم : 315141

دور علماء الشّيعة في علم التّفسير

تنا
إنّ مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبيّ الأكرم (ص) إلى يومنا هذا، أنتجت تفاسير على أصعدة مختلفة، وخدمت الذّكر الحكيم بصور شتّى، فأتى بوجه موجز، لما أُلِّف في القرون الإسلاميّة الأولى.
المرجع الشيخ جعفر السبحاني
المرجع الشيخ جعفر السبحاني
المرجع الشّيخ جعفر السبحاني
إنَّ القرآن هو المصدر الرئيس للمسلمين في مجالي العقيدة والشَّريعة، وهو المعجزة الخالدة للنبيّ الأكرم، وقد قام المسلمون بأروع الخدمات لهذا الكتاب الإلهيّ على وجه لا تجد له مثيلاً بين أصحاب الشرائع السابقة، حتّى أسّسوا لفهم كتابهم علوماً قد بقي في ظلّها القرآن مفهوماً للأجيال، كما قاموا بتفسيره وتبيين مقاصده بصور شتّى، لا يسع المقام لذكرها، فأدّوا واجبهم تجاه كتاب الله العزيز ـ شكر الله مساعيهم ـ من غير فرق بين الشيعة والسنّة.

إنّ مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبيّ الأكرم (ص) إلى يومنا هذا، أنتجت تفاسير على أصعدة مختلفة، وخدمت الذّكر الحكيم بصور شتّى، فأتى بوجه موجز، لما أُلِّف في القرون الإسلاميّة الأولى.

إنَّ أئمَّة أهل البيت ـ بعد الرّسول الأكرم ـ هم المفسِّرون للقرآن الكريم، حيث فسَّروا القرآن بالعلوم الّتي نحلهم الرسول، بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم الّتي لا تشذّ عن قول الرسول وفعله وحجته، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسِّرين، ولا نعترف بحقوق أئمّة أهل البيت إلّا شيئاً لا يذكر.

هذا هو الدكتور محمّد حسين الذهبي، جعل عليّاً ـ وهو الوصي وباب علم النبي ـ في الطبقة الثالثة من حيث نقل الرواية عنه، وجعل تلميذه ابن عباس في الدّرجة الأولى، ولم يذكر عن بقية الأئمّة شيئاً، مع ما نقل عنهم في مجال التفسير من الروايات الوافرة.

ارتحل النبيّ الأكرم وعكف المسلمون على دراسة القرآن، وأوّل ما فوجئوا به، هو قصور باع لفيف منهم عن فهم بعض ألفاظ القران. والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز، لكن يوجد فيه ألفاظ غير رائجة فيها، وربّما كانت رائجة بين القبائل الأخرى، وهذا النّوع من الألفاظ ما سمّوه «غريب القرآن»، وقد سأل ابن الأرزق ـ رأس الخوارج ـ ابن عباس عن شيء كثير من غريب القرآن، وأجاب عنه مستشهداً بشعر العرب الأقحاح، وقد جمعها السيوطي في إتقانه.

وبما أنَّ تفسير غريب القرآن كان الخطوة الأولى لتفسيره، ألّف أصحابنا في إبان التدوين كتباً في ذلك المضمار، نذكر قليلاً من كثير:

1 .غريب القرآن: لأبان بن تغلب بن رباح البكري (ت 141).

2. غريب القرآن: لمحمّد بن السائب الكلبي من أصحاب الامام الصادق(ع).

3. غريب القرآن: لأبي روق، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي، قال ابن عقدة: كان ممّن يقول بولاية أهل البيت.

4. غريب القرآن: لعبد الرحمن بن محمّد الأزدي الكوفي، جمع فيه ما ورد في الكتب الثلاثة المتقدِّمة.

5. غريب القرآن: للشيخ ابن جعفر أحمد بن محمّد الطبري الآملي الوزير الشيعي المتوفّى العام 313.

وقد توالى التأليف حول غريب القرآن في القرون الماضية، فبلغ العشرات، أخيرها ـ لا آخرها ـ ما ألّفه السيد محمّد مهدي الخرسان في جزأين.

مجازات القرآن
إذا كان الهدف من هذه الكتب بيان معاني مفرداته وألفاظه، فهناك لون آخر من التفسير يهدف لبيان مقاصده ومعانيه إذا كانت الآية مشتملة على المجاز والكناية والاستعارة. ونأتي بنماذج قليلة ممّا اُلّف في ذلك المجال بيد أعلام الشّيعة:

1. مجاز القرآن: لشيخ النّحاة الفراء يحيى بن زياد الكوفي المتوفّى العام 207، وقد طبع أخيراً في جزأين.

2. مجاز القرآن: لمحمّد بن جعفر أبو الفتح الهمداني. قال النجاشي: له كتاب «ذكر المجاز من القرآن».

3. مجازات القرآن: للشّريف الرضي المسمَّى بتلخيص البيان في مجازات القرآن، وهو أحسن ما أُلِّف في هذا الباب وهو مطبوع.

التَّفسير بصور متنوِّعة
وهناك لون آخر من التّفسير، يندفع المفسّر إلى توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصّة، كالمحكم والمتشابه والنّاسخ والمنسوخ، وآيات الأحكام، وقصص الأنبياء، وأمثال القرآن، وأقسامه، والآيات الواردة في مغازي النبيّ(ص)، والنازلة في حقّ العترة الطاهرة(ع)، إلى غيرها من الموضوعات الّتي لا تعمّ جميع آيات القرآن، بل تختصّ بموضوع واحد.

فقد خدمت الشيعة كتاب الله العزيز بهذه الأنواع من التفاسير، ومن أراد أن يقف عليها، فعليه أن يرجع إلى المعاجم، وأخصّ بالذّكر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

الشّيعة والتّفسير الموضوعيّ
إنّ نزول القرآن نجوماً، وتوزّع الآيات الرّاجعة إلى موضوع واحد، في سور متعدِّدة، يطلب لنفسه نمطاً آخر، غير النّمط المعروف بالتفسير الترتيبي، فإنَّ النمط الثاني يتّجه إلى تفسير القرآن سورة بعد سورة، وآية بعد آية، وأمّا النمط الأوّل، فيحاول فيه المفسّر إيراد الآيات الواردة في موضوع خاصّ، في مجال البحث، وتفسير الجميع جملة واحدة وفي محلّ واحد.

فيستمدّ المفسِّر من المعاجم المؤلّفة حول القرآن، ومن غيرها، في الوقوف على الآيات الواردة مثلاً في خلق السماء والأرض، أو الإنسان أو أفعاله وحياته الأخروية، فيفسّر المجموع مرة واحدة، ويرفع إبهام آية، بآية أخرى، ويخرج بنتيجة واحدة، وهذا النوع من التفسير، وإن لم يهتم به القدماء، واكتفوا منه بتفسير بعض الموضوعات كآيات الأحكام، والناسخ والمنسوخ، إلّا أنَّ المتأخّرين منهم، بذلوا جهدهم في طريقه، ولعلّ العلاّمة المجلسي (1037 ـ 1110) أوّل من فتح هذا الباب على مصراعيه في موسوعته «بحار الأنوار»، حيث يورد في أوَّل كلِّ باب، الآيات الواردة حوله ثمّ يفسّرها إجمالاً، وبعد الفراغ منها، ينتقل إلى الأحاديث الّتي لها صلة بالباب.

الشّيعة والتفسير التّرتيبي
قد تعرّفت على أنّ المنهج الراسخ بين القدماء وأكثر المتأخّرين هو التفسير الترتيبي، وقد قام فضلاء الشيعة من صحابة الإمام علي والتابعين له إلى العصر الحاضر، بهذا النّمط من التفسير؛ إمّا بتفسير جميع سوره، أو بعضها، والغالب على التفاسير المعروفة في القرون الثلاثة الأولى، هو التفسير بالأثر، ولكن انقلب النّمط إلى التفسير العلمي والتّحليلي من أواخر القرن الرابع. فأوّل من ألَّف من الشيعة على هذا المنهاج، هو الشريف الرّضي (357 ـ 406)، مؤلّف كتاب «حقائق التأويل» في عشرين جزءاً، ثمّ جاء بعده أخوه الشريف المرتضى، فسلك مسلكه في أماليه المعروفة بـ «الدّرر والغرر». ثمّ توالى التّأليف على هذا المنهاج من عصر الشيخ الأكبر الطوسي (385 ـ 460)، مؤلّف «التبيان في تفسير القرآن» في عشرة أجزاء كبار، إلى عصرنا هذا.

فقد قامت الشّيعة في كلّ قرن بتأليف عشرات التفاسير وفق أساليب متنوّعة، ولغات متعدّدة، لا يحصيها إلاّ المتوغّل في المعاجم ورفوف المكتبات.

ولقد فهرسنا على وجه موجز أسماء مشاهير المفسِّرين من الشيعة وأعلامهم في 14 قرناً، وفصّلنا كلّ قرن عن القرن الآخر واكتفينا بالمعروفين، لأنَّ ذكر غيرهم عسير ومحوج إلى تأليف حافل، فبلغ عددهم 122 مفسِّراً.
https://taghribnews.com/vdceen8xzjh8zzi.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز