تاريخ النشر2018 31 January ساعة 11:41
رقم : 309164

الإفتاء السياسي.. سلطة تقرر وعالم يشرع

تنا
على مرّ التاريخ ظل العلماء المسلمون ملجأ للشعوب عندما يقسوا عليهم الحكام أو تدهمهم غزوات خارجية، إلا أن بعض الأنظمة هدمت هذا الحصن بنسجها تحالفا بين الحاكم والعالم، وأتبعت الأخير للأول في مرحلة لاحقة، ليجد المواطن نفسه في مواجهة "تحالف دنيوي" يقمعه باسم الدين: حاكم يقرر وعالم يشرع.
الإفتاء السياسي.. سلطة تقرر وعالم يشرع
طلال مشعطي
ومع ميلاد الدول الوطنية الحديثة في العالم الاسلامي، ومع حرص حكامها على تسييس الفتوى لصالحهم، صارت بوابة الإفتاء هي المدخل الأوسع لتشريع ما يحبّه الحاكم، خلافا لإرادة الشرع الذي جاء ليحتكم إليه الحاكم والمحكوم، ويكونان أمامه سواسية.

تأميم الإفتاء
كان الإفتاء منذ القرون الأولى صفة لازمة للعالم الذي بلغ مرتبة علمية تؤهله لقراءة نصوص الوحي والاستنباط منها بعد معاينة الواقع. ولهذا عرفت الفتوى بأنها "الإخبار بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام"، مما جعل بعض المعاصرين يعدّها من باب التعبير عن الرأي الشرعي.

لكن بعض الأنظمة السياسية في الدولة الحديثة في الوطن العربي والاسلامي أمّمت كل نواحي الحياة تقريبا، واستولت على مجالات كانت طيلة قرون حكرا على المجتمع وعلمائه بما فيها الفتوى، فأنشأت مؤسسات، وعينت على رأسها موظفين يتلقون رواتب من الدولة وتأمرهم في المقابل بتنفيذ سياساتها في المجال الديني، أي إضفاء الشرعية على اختياراتها، خاصة التي يمكن أن تكون مثار قلق العامة ورفضهم.

ولم تنتصر الدولة الوطنية في معركتها هذه دفعة واحدة، فقد وقف علماء في وجه قرارات أراد الحكام أن تنال تزكيتها، كما حدث بين الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والعالم التونسي الطاهر بن عاشور.

أراد الرئيس من العالم أن يفتي بإباحة الفطر في نهار شهر رمضان ليتمكن العمال من أداء وظائفهم، لكن الشيخ رفض ذلك، وخاطب الجمهور عبر الإذاعة بوجوب الصوم على كل الفئات العمالية بما فيها التي لديها أعمال شاقة.

الدولة تنتصر
وفي أغلب المراحل التاريخية، وفي بلدان عربية واسلامية عدة نجحت الدولة في صهر بعض علماء الشريعة في نسيجها، وجعلتهم جزءا من أدواتها للحكم وفرض الهيمنة.

ففي العام 1952 أممت سلطات ثورة يوليو بقيادة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ممتلكات جامع الأزهر التي كانت أحد مصادر استقلال شيوخه، وبعد تسع سنوات (1961) ألغت القانون الذي كان ينص على استقلال هذه المؤسسة الدينية، وأصبح لرئيس الجمهورية الحق في تعيين شيخ الأزهر، الذي يعد أكبر المناصب الدينية في العالم الإسلامي.

واستطاعت الدولة المصرية أن تجعل شيخ الأزهر دائرا في فلك قرار السلطة في أغلب الأحوال، حتى وصل الأمر إلى تعيين الرئيس المخلوع حسني مبارك عضو لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم عام 2010 أحمد الطيب شيخا للأزهر الشريف، لتشهد علاقة الأزهر بالسلطة أزهى عصورها، تخللتها فترة جفاء قصيرة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي الذي حضر شيخ الأزهر إعلان الانقلاب عليه من قبل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عام 2013.

وعلى المنوال نفسه تقريبا تسير العلاقة بين الأسرة الحاكمة في السعودية والمؤسسة الدينية التي تعد أحد أركان الحكم في السعودية، والتي يترأسها مفتي المملكة الذي يعد أيضا رئيسا لهيئة كبار العلماء.

إعدامات مصر
في مصر تصدر المحكمة حكما بالإعدام على المئات من المعتقلين السياسيين، ثم تحيل الأوراق إلى مفتي الديار المصرية شوقي علام، الذي يصادق على الإعدامات بمجرد وصولها إلى مكتبه، ودون الاستماع إلى أقوال المتهمين، ودون الإفصاح عن الأدلة الشرعية التي استند إليها في حكمه، وفي "جلسات قصيرة لا تكفي لقراءة أسماء كل المتهمين"، بحسب منظمات حقوقية.

فقد صادق المفتي المصري على إعدام أكثر من ألف متهم بقضايا مختلفة، تتهم المنظمات الحقوقية السلطات المصرية بتلفيقها بدوافع سياسية، كتهمة "الإرهاب والانتماء إلى جماعات دينية متطرفة".

وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الإعدامات في مصر بأنها قائمة على اعترافات انتزعت تحت التعذيب.

الحرام الحلال 
وفي السعودية أعلن الديوان الملكي إلغاء قرار سابق ظل لعقود ساري المفعول يمنع المرأة من قيادة السيارة بدعوى مخاوف من تعرضها للفساد، كما صرح بذلك المفتي عبد العزيز آل الشيخ وغيره من كبار أعضاء هيئة كبار العلماء.وبعد إعلان الديوان الملكي القرار الجديد الذي يبيح قيادة المرأة للسيارة، ظهر عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان وأفتى بأن "حكم قيادة المرأة للسيارة هو الإباحة".

واعتبرت الهيئة، بحسب وسائل إعلام سعودية، أن الحكم السابق كان مبنيا على "اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل ليقين ولا غلبة ظن".
https://taghribnews.com/vdcceoq102bqxs8.caa2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز