>> في رحاب الصَّحيفة السَّجاديَّة | وكالة أنباء التقريب (TNA)
تاريخ النشر2015 16 August ساعة 10:23
رقم : 201793

في رحاب الصَّحيفة السَّجاديَّة

تنا
تنفتح الرّوح على آفاق التَّوحيد والإخلاص، وتزكو النّفس بالمعاني والقيم العباديّة والأخلاقيّة والإنسانيّة والحضاريّة من خلال أدعية الصّحيفة السّجاديّة للإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليهما السّلام) .
في رحاب الصَّحيفة السَّجاديَّة

محمد عبدالله فضل الله
 فمن دعائه(ع): "اللّهمّ أعطني كلّ سؤلي، واقضِ لي حوائجي، ولا تمنعني الإجابة وقد ضمنتها لي، ولا تحجب دعائي عنك وقد أمرتني به، وامنُن عليَّ بكلِّ ما يصلحني في دنياي وآخرتي، ما ذكرت منه وما نسيت أو أظهرت أو أخفيت أو أعلنت أو أسررت، واجعلني في جميع ذلك من المصلحين بسؤالي إيّاك، المنجحين بالطّلب إليك، غير الممنوعين بالتوكّل عليك، المعوذين بالتعوُّذ بك، الرّابحين في التّجارة عليك، المجارين بعزِّك، الموسَّع عليهم الرّزق الحلال من فضلك الواسع بجودك وكرمك".

نتلمَّس في هذا الدّعاء أهميّة التوجُّه الصَّادق والمخلص إلى الله وحده في قضاء حاجاتنا، بحيث يتوجَّه الإنسان إلى ربّه بنيَّة صادقة صافية، فهو الّذي يقدِّر الأرزاق ويقضي الحاجات وفي يده كلّ شيء، وهو العادل والقاهر فوق عباده، ونجد فيه دعوة إلى ألا تحجب الذّنوب استجابة الدّعاء، فرحمة الله وسعت كلَّ شيء.

من هنا، علينا مسؤوليَّة أن ننفتح على الله ونقبل عليه وقد خليت ساحاتنا من الذّنوب، ونكون في الأماكن الّتي يريدنا الله أن نتواجد فيها، في ساحات الجهاد والعمل الصّالح، وأن ندعو ربَّنا بقلوبٍ صافية خالية من الأحقاد، وعقولٍ متحركة في خطِّ الصَّلاح والفلاح، ونكون دائمي التطلّع إلى الكمال والسَّعادة في الحياة الدّنيا والآخرة، بالقرب من الله تعالى، فنبتعد عن كلّ الأعمال والمشاريع والحسابات الّتي تفسد أوضاعنا، وتنحرف بنا عمَّا رسمه الله تعالى لنا من عزّةٍ وكرامةٍ وتوفيق.

وعلينا أن نتعلَّم كيف نطلب من الله تعالى أن نكون الصَّالحين في دنيانا وآخرتنا، في كلّ قضايانا العامَّة والخاصَّة، بأن نكون ممّن يتحمَّلون المسؤوليّة أمام الله تعالى الّذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، فالمؤمن هو صاحب الشّخصيَّة الّتي يتَّفق ظاهرها مع باطنها على الصَّلاح، فلا يعيش ازدواجيّة الشَّخصيَّة وفسادها.

ونتعلَّم من الدّعاء أن نكون طاهري القلب والعقل والنَّفس والمشاعر من كلّ الشَّوائب، ونطلب من الله أن يعيننا في أمورنا، كي نظفر بالسّداد والنّجاح.. فأنت يا ربّ منتهى الغايات والآمال، فلا تحرمني منك، ولا تمنعني عنك، واجعلني من المتوكّلين عليك؛ الّذين يبتغون التجارة الرّابحة وفقاً لحساباتك، فلقد دللتنا يا ربّ على التّجارة الرابحة كيف تكون، وعلى سبُل الرزق الطيّب الحلال وطرقه المشروعة التي تغنينا في الدّنيا والآخرة.

وفي معرض تعليقه على هذا الدّعاء، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "يا ربّ، ها أنا عبدك بين يديك، المنقطع إليك بكلِّ حاجاتي ورغباتي وتطلعاتي، لأنّك ـ وحدك ـ الّذي تملك العطاء كلَّه من حيث تملك الوجود كلّه، أقدّم إليك طلباتي، فأعطني إيّاها. اللّهمّ إنّك تعرف من نفسي أنّني أتطلّع إلى الكمال والسّعادة في الحياة، فلا أريد لها أن تتقلّب في الأوضاع التي تفسد أعمالها وعلاقاتها ومشاريعها، بل أريد بدلاً من ذلك أن تصلح أمري في دنياي وآخرتي، في كلِّ القضايا المنفتحة على مسؤوليّاتي، مما ذكرته أو نسيته، أو أظهرته أو أخفيته، في ما يسرُّ به الإنسان من أموره الخفيّة.

اللّهمّ امنُن عليَّ بذلك كلّه، اللّهمّ اجعلني من المصلحين الّذين يعيشون الصلاح فكرةً في العقل، ونبضةً في القلب، وخفقةً في الشّعور، وبرنامجاً في الخطّ، وحركةً في الواقع، لتكون حياتي صلاحاً كلّها، واجعلني من الّذين يحقّقون لأنفسهم النّجاح، فيظفرون بطلباتهم في شؤونهم العامَّة والخاصَّة، من خلال الطّلب إليك الذي تحقّقه لهم، ولا تجعلني من الممنوعين عنك، الّذين تبعدهم عن إقبالك عليهم، فقد توكَّلت عليك وانقطعت إليك.

واجعلني من الرابحين في التِّجارة معك، فقد أردت لعبادك أن يدخلوا معك في التّجارة، ودللتهم عليها، واجعلني ممّن حفظته من الأسواء والأعداء، وممّن وسعت عليهم في رزقك الحلال من فضل الواسع بجودك وكرمك".[كتاب: آفاق الرّوح، ج 1، ص 652، 653].

إنّنا نجد في هذا الدّعاء ما يعيننا على الدَّعوة إلى الله بنيّات مخلصة صادقة، ونجد فيه قيماً تجعلنا ننفتح على مسؤوليّاتنا تجاه الله، وتجاه أنفسنا، عبر إعمارها بالتوكّل على الله، والإخلاص إليه، والتزام خطِّه عن بصيرةٍ ووعي، وعبر تزكية النّفس وتربيتها على كلِّ ما يرفع من شأنها ويفتح مداركها على آفاق الرَّحمة والرّضوان.
https://taghribnews.com/vdcb98b5frhbgzp.kuur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز