تاريخ النشر2015 4 April ساعة 16:46
رقم : 187602

ماذا يعني الانتصار النووي الايراني ؟

تنا - خاص
انتهات المفاوضات الماراتونية بين ايران ومجموعة الدول الست الغربية بعد ثمانية اجتماعات في لوزان السويسرية الاخيرة او بعبارة اخرى بعد 12 عاما من الضغوط السياسية والاقتصادية على ايران بسبب ملفها النووي ، انتهت برضوخ الغرب لمطالب ايران الحقة في استخدامها للتكنولوجيا النووية .
ماذا يعني الانتصار النووي الايراني ؟

كثير من المراقبين المؤيدين والمنتقدين للجمهورية الاسلامية الايرانية يعتقدون ان الاتفاق المبدئ الذي نتج عن المفاوضات الاخيرة في لوزان يعتبر نصراً كبيراً لايران لانها لم ترضخ للمطالب الغربية المبالغ بها في شأن ملفها النووي .

ولكن لماذا سمّي هذا الحدث بالاتفاق التاريخي والنصر النووي لايران ؟ 
نحن نعتقد انه انتصار نووي كبير حققته ايران الاسلامية في مفاوضاتها التي استغرقت اكثر من 12 عاما لان الغرب عندما بدأ المفاوضات مع ايران حول نشاطها النووي كان يشكك بسلمية هذا النشاط وكان يتهم الجمهورية الاسلامية بانها تنوي من وراء هذا النشاط صناعة السلاح النووي ولذا طالبت بمراقبة شديدة لانشطتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، واستمر هذا الاتهام وكان الهدف واضح هو توقف جميع الانشطة النووية الا ان اصدر قائد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي فتوى تحرم تصنيع وامتلاك الاسلحة النووية وكافة اسلحة الدمار الشامل ، واليوم وبعد مضي 12 عاما على هذا الاتهام اضطر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بان يعترف بان البرنامج النووي الايراني سلمي ولها الحق بان تستمر بنشاطها هذا . 

انتصار نووي لان الغرب كان يقول في بدايات مفاوضاته النووي بان ايران لا تحتاج الى التكنولوجيا الذرية لان لديها مصادر طاقات متنوعة يكفيها لسد حاجاتها من الطاقة الكهربائية وان المفاعل الذرية تضر بالبيئة خاصة بيئة دول الجوار ، ولكنه نراه اليوم يرضخ امام استدلال ومنطق المسؤولين في ايران بان جميع الدول هي بحاجة الى طاقة بديلة على المدى البعيد ، وتقر بحاجة ايران للتنقية النووية .

انتصار نووي حققته ايران الاسلامية لان الغرب وبعد ان اصر على شكوكه حول سلمية البرنامج النووي الايراني مستندا الى اقاويل بعض رجالات المعارضة الايرانية اللذين طردهم الشعب الايراني المسلم بسبب ما ارتكبوه من جرائم وخيانات بحق الشعب والنظام الاسلامي خاصة اولائك اللذين تعاونوا مع النظام الصدامي في حربه ضد ايران . هذه الشكوك اثارها الغرب ليضغط على ايران ويطلب منها تعطيل وليس توقف جميع الانشطة النووية بما فيها المفاعل ومراكز الدراسات والبحوث الخاص في هذا المجال اضافة الى الغاء المناهج الدراسية الاكاديمية الخاصة بالفيزياء النووية والغاء تخصصات الخبراء النوويين وعدم الاستفادة منهم في هذا المجال . 

ولكن صمود ايران شعبا وحكومة وخاصة قيادتها الحكيمة وعدم رضوخها لهذه الضغوط الظالمة واستمرارها في نشاطها النووي وتنميته وتوسيعه ليشمل عدة مفاعل نووية وعدد من المراكز البحثية خاصة في عدد اجهزة الطرد المركزي الذي كان عدده في بداية المفاوضات قبل اكثر من عشر سنوات لا يتجاوز المئة الى ان وصل الى ما يقارب 19 الف جهاز طرد مركزي اليوم ، هذا الاصرار والصمود والتعامل بحكمة مع الجانب الغربي جعل الغرب امام امر واقع ، وليتنازل اليوم عن كبريائه وعنجيته ويتراجع عن مطالبه باغلاق جميع المفاعل وتعطيل كافة الانشطة النووية ، ليجلس مع الجانب الايراني ويتفاوض معه حول مستوى التخصيب وعدد اجهزة الطرد المركزي ونوع الانشطة المجازة وغير ذلك من القضايا الفنية . وكل ذلك هو اعتراف باحقية ايران في استخدامها للطاقة النووية وبمثابة انتصار في ماراتون هذه المفاوضات .

انتصار نووي على جميع التهديدات التي كانت تطلقها الولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل ضد الجمهورية الاسلامية بان الخيار العسكري سيكون الخيار الاخير ان لم ترضخ ايران لمطالب الغرب في تعطيل بعض انشطتها النووي وتحديد البعض الاخر . ولكن رد الفعل الايراني الصارم على اي هجوم عسكري وقدرته التسليحية خاصة الصاروخية الى جانب صمود الشعب الايراني في الدفاع عن حقوقه النووية ، منع الجانب الاخر من القيام باي عمل عسكري جنوني ، كما عبّر عنه اكثر من مسؤول اوروبي ، ضد ايران .

لان الكل يعلم ان ايران الاسلامية صاحبة القرار السياسي المستقل ليست عراق صدام ولا ليبيا القذافي عندما قصف مفاعلهما لم يقوما باي رد فعل مناسب . ولكن في خصوص ايران حتى الرئيس الامريكي باراك اوباما اعترف بان الخيار العسكري لا يوقف نشاط ايران النووي وانما يؤخره لبضع سنوات . اليوم نرى ان الخيار العسكري تحول الى خيار تفاوضي سلمي قائم على اساس ربح – ربح يعترف بكل حقوق ايران النووية ، لتخرج ايران منتصرة من هذه المفاوضات .

العقوبات الاقتصادية الظالمة كذلك لم تستطع ان تجبر ايران لترضخ امام مطالب الغرب بشأن برنامجها النووي ولكن الغرب هو الذي اعترف خاصة الرئيس الامريكي في تصريحه للصحفيين بعد الاعلان عن الاتفاق المبدئ في لوزان بان الضغوط الاقتصادية لم تجدي نفعا لان ايران استمرت بنشاطها في كافة المجالات . 

فجلوس المفاوض الغربي مع نظيره الايراني ليتفق معه حول اهم الاطر في الشأن النووي يعني ان العقوبات الاقتصادية لم تؤثر على القرار الايراني وصمود الشعب الايراني في الدفاع عن حقوقه النووية رغم كل الصعوبات والمشاكل التي تحملها جرّاء هذه العقوبات ، وهذا يعني بحد ذاته الى ان الغرب استسلم لعقلانية وحنكة وصبر القيادة الايرانية وصمود شعبه . الا يعتبر هذا الصمود الذي سبب هذا الانجاز النووي التاريخي نصر نووي كبير لايران .  

المفاوضات النووية بعدها تحولت الى اداة ضغط سياسية استخدمها الغرب لتأمين مصالحه ومصالح الكيان الصهيوني في المنطقة والهدف هو تحجيم دور ايران الاقليمي ، ولكن على هذا الصعيد كذلك لم يحقق الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة اي مكاسب ايجابية على الارض ، بل على العكس فقد شاهد العالم ان دور ايران الاقليمي ازداد توسعا وتأثيرا على مجريات الاحداث والتطورات الاقليمية خاصة في الازمة السورية الى جانب الملف العراقي واللبناني واخير اليمني ولم يتراجع هذا الدور البناء والايجابي على اثر تلك الضغوط التي مارسها المفاوض الغربي في الملف النووي . 

واليوم اعلان لوزان النووي بين ايران والقوى الكبرى هل سيضعف دور ايران الاقليمي ام سيعززه ويقويه ؟ ليجعله لاعب رئيسي في المنطقة ويجبر بعض دول الاقليم الغاضبة من هذا الدور الجلوس على طاولة التفاوض معها لحلحلة ازمات المنطقة التي حاولت هذه الدول ابعاد ايران ورفض اي دور لها في حل هذه الازمات التي افتعلتها هي لتأمين المصالح الامريكية والصهيونية . 

الاتفاق المبدئ النووي هو اعتراف ليس فقط بحقوق ايران النووية وانما اعتراف بدور ايران الاقليمي الايجابي . ودعوة اوباما دول الخليج الفارسي لكامب ديفيد للتشاور بشأن اتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه الخميس مع إيران وطمأنتهم من عدم اضرار هذا الاتفاق على مصالحهم وامنهم ، هو دلالة على مكانة ايران في المنطقة . واليوم رحب وزیر الدفاع البریطاني مایکل فالون بالتفاهم النووي بین ایران ومجموعة "5+1"، معربا عن امله بان یؤدي هذا التفاهم الى استئناف العلاقات الطبیعیة بین لندن وطهران وافتتاح السفارة البریطانیة في طهران.

وقال فالون في تصریح اذاعي، باعتقادنا ان ایران لاعب مهم جدا في المنطقة ونرغب بعودة العلاقات الطبیعیة معها.
وفي السياق نفسه كتب روبرت فيسك في صحيفة الاندبندت ان الاتفاق المبدئي الذي عقدته إيران مع القوى الست الكبرى يمكن أن يجعلها قوة عظمى في المنطقة.

واخيرا فالانتصار النووي الايراني يعتبر داعما رئيسيا لشعوب المنطقة في حقها لاستخدام التكنولوجيا النووية السلمية وصعود ايران اقليميا سيساعد دول المنطقة لحل ازماتها المستفحلة بالتعاون معها و بالطرق السلمية والابتعاد عن الخيار العسكري الذي لا يؤدي الى نتائج ترضي جميع الاطراف ، فالتجربة السورية لا زالت حية امام الجميع .

بقلم : محمد إبراهيم رياضي 
https://taghribnews.com/vdcdz50fxyt0j96.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز