تاريخ النشر2022 10 April ساعة 12:15
رقم : 545077
المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية

حديث التقريب... الشهيد محمد باقر الصدر والتقريب في ذكرى استشهاده الثانية والأربعين

تنا- خاص
حديث التقريب : السيد الصدر في طرحه المشروع الإسلامي للحياة بلغة العصر وعلى مستوى احتياجات العصر، كان أعظم مشروع تقريبي جعل المسلمين سنة وشيعة أمام هدف إعادة الإسلام إلى الحياة.
حديث التقريب... الشهيد محمد باقر الصدر والتقريب في ذكرى استشهاده الثانية والأربعين
حديث التقريب
الشهيد محمد باقر الصدر والتقريب
في ذكرى استشهاده الثانية والأربعين
 
في التاسع من ابريل – نيسان 1980 أقدم نظام الطاغية صدام على جريمة تاريخية كبرى بإعدام الشهيد الصدر وأخته بنت الهدى، ولدور السيد الشهيد في موضوع التقريب بين السنة والشيعة، ﻻبدّ من وقفة عند هذه الشخصية وخاصة فيما يرتبط بمواقفه من هذا الموضوع.
السيد الشهيد، عملاق الفكر الإسلامي المعاصر محمد باقر الصدر، يقف الإنسان مشدوهًا حائرًا أمام هذه الشخصيّة لسعتها وعظمتها وسموّها ونبوغها، لا يدري أي جانب يتناول منه إذا أراد تعريفه.
عظمة هذا الرجل تعود إلى تحلّيه بكل عناصر سموّ الكائن البشري وعلى رأسها تحرره من ذاتيته الفردية وذوبانه في ذات الله.
هذا إلى جانب خصائص تجمّعت فيه وقلّما تجتمع في شخص واحد ومنها: العمق العلمي، والذهنية المنفتحة على الرسالة الإسلامية بأوسع أبعادها، وفهمه المركز للواقع الاجتماعي ولما يحيط بعصره من فرص وتحديات وتيارات واتجاهات فكرية وسياسية، ونبوغ فريد أهّله لأن يغوص في أعماق كل ما يهتمّ به من مشاريع ومواضيع فكرية وعلمية وعملية.
دع كل ذا، فالحديث عن إخلاص الشهيد الصدر لربّه كاف لسموّه. وهذا هو الذي فجّر فيه كل الطاقات التي أودعها ربّ العالمين في الكائن البشري حين نفخ فيه سبحانه من روحه، فاستحقّ أن تسجد له الملائكة وتأهل لحمل الأمانة الكبرى.
ينتمي الشهيد محمد باقر الصدر إلى أسرة الصدر المعروفة بالعلم والجهاد والتقوى، وأمه من أسرة آل ياسين التي لا تقل شأنا عن أسرة الصدر.
ولد في مدينة الكاظمية قرب بغداد، وفقد والديه في صغره، وتولّى تربيته أخوه الأكبر السيد إسماعيل الصدر.
درس مقدمات العلوم في مسقط رأسه، وواصل دراسته في النجف الأشرف، وبدا عليه النبوغ منذ صغره وبلغ درجة الاجتهاد ولــمّا يبلغ الحلم وهي ظاهرة نادرة جدًا في تاريخ الحوزات العلمية. وكتب في علم أصول الفقه: غاية الفكر في علم الأصول في العشرين من عمره وطبع ونشر سنة 1376هــ / 1956م.
رغم تعمّق هذا الشاب في الدراسات الفقهية والأصولية، فإنه لم يتقوقع في إطارها بل اتجه إلى المقصد الإسلامي الكبير، وهو إقامة الحياة الإسلاميّة وفق ما تتطلبه ظروف العصر، فقدّم بلغة العصر ما يخدم هذا المقصد.
كانت الظروف التي أحاطت بالعالم الإسلامي في الخمسينات تعجّ بالتيارات الفكرية الوافدة وعلى رأسها الفكر الماركسي الاشتراكي والفكر الليبرالي الغربي، فتصدّى لها بكل ما تتطلبه المرحلة من اطلاع واسع معاصر على هذه التيارات ومن قدرة على تقديم البديل الإسلامي بلغة العصر وعلى مستوى احتياجات العصر.
ظهر كتاب فلسفتنا سنة 1379هــ/ 1959م وفيه كما يقول السيد الشهيد «مجموعة مفاهيمنا الأساسية عن العالم وطريقة التفكير فيه».
ثم ظهر اقتصادنا ليناقش المشروع الاقتصادي الماركسي والمشروع الاقتصادي الليبرالي الغربي، وليقدم في الجزء الثاني منه مشروع الاقتصاد الإسلامي.
والكتابان اشتهرا في العالم الإسلامي شهرة واسعة وتُرجما إلى اللغات العالمية، وكان أثرهما في «التقريب بين المذاهب الإسلامية» يفوق تأثير أي مشروع آخر لأسباب أهمها:
أنه رفع نظرة المجتمع المسلم في عصره من التفكير في المسائل الصغيرة إلى التفكير في المشروع الإسلامي المتمثل بعودة الحياة الإسلامية. وهذا الارتفاع في النظرة له نتائجه في التعالي على الصغائر والخلافات الجانبية.
ولم يكتف الرجل بمخاطبة المتخصصين عبر كتابيه المذكورين، فألف المدرسة الإسلامية لتكون سلمًا لعامّة القراء للوصول إلى مستوى اقتصادنا وفلسفتنا يقول:
«وقد لاحظنا من البدء مدى التفاوت بين الفكر الإسلامي في مستواه العالي وواقع الفكر الذي نعيشه في بلادنا بوجه عام، حتى يصعب على كثير مواكبة ذلك المستوى العالي إلا بشيء كثير من الجهد، فكان لابدّ من حلقات متوسطة يتدرج خلالها القارئ إلى المستوى الأعلى ويستعين بها على تفهم ذلك المستوى الأعلى وهنا نشأت فكرة المدرسة الإسلامية».
وقد بلغ الذروة في مشاريعه العلمية التأسيسية بكتابه الأسس المنطقية للاستقراء وكانت ثمرته:
«1- عدم اعتبار الدليل الفلسفي لعقمه واستبداله بالدليل العلمي القائم على البرهان اليقيني والاستقراء المنطقي.
2- وكنتيجة للنقطة الاولى تم القضاء على مرجعية الدليل الفلسفي واحتكاره لمجال الاستدلال على قضايا العقيدة وإفرازاتها المباشرة وغير المباشرة.
3- اعتبار الدليل الاستقرائي وأسسه المنطقية مرجعًا رئيسيًا وضروريًا في عملية انتاج المعرفة أو الاستدلال على مصداقيتها وموضوعيتها.
4- إحداث قطيعة تاريخية ومعرفية مع قرون من الجدل الفلسفي العقيم حول قضايا المعرفة بصفة عامة والمعرفة الصادرة عن الوحي بصفة خاصة، بعد أن تم التأكيد على أن طريق المعرفة اليقينية في مثل هذه القضايا يمر عبر نفس الاتجاه الذي تسير عبره الإنسانية شؤونها الحياتية وتنجز من خلاله منجزاتها العلمية  والتكنولوجية وحضارتها المادية.
وبهذا يكون هذا الأصل التأسيسي قد وصل إلى قمة أهدافه بإحداث نقلة نوعية كبيرة بخصوص أخطر قضية تواجه الإنسانية منذ وجودها، وهي مسألة إقامة الدليل على يقينية أو عدم يقينية المعرفة التي يحصل عليها الإنسان يوميًا. وعلى هذا تكون نظرية المعرفة قد اكتمل بنيانها».
وحين طُلب منه أن يكتب مشروعًا لبنك إسلامي لا يتعامل بالربا قدم كتاب البنك اللاربوي في الإسلام وفيه تتضح إحاطة السيد الصدر بالجانب المالي والإداري من البنك إضافة إلى قدرته على تقديم مشروع إسلامي لبنك لا يتعاطى بالربا، وكان ذلك أساسًا لما أُنشئت بعد ذلك من بنوك إسلامية.
كتبه الفقهية والأصولية تبيّن اهتمامه بالتأصيل الفقهي لمشاريعه، من تلك الكتب: دروس في علم الأصول، وبحوث في العروة الوثقى، وتعليقه على منهاج الصالحين، وغاية الفكر في الأصول.
ولقد نحا في دراساته الفقهية والأصولية منحىً مقاصديًا وجّه فيه هذه الدراسات نحو الواقع العملي، نائيًا بذلك عن البحوث النظرية العقيمة غير المنتجة.
التقريب المذهبي في مشروع الإمام الصدر
ذكرنا أن السيد الصدر في طرحه المشروع الإسلامي للحياة بلغة العصر وعلى مستوى احتياجات العصر، كان أعظم مشروع تقريبي جعل المسلمين سنة وشيعة أمام هدف إعادة الإسلام إلى الحياة.
واستمرّ على هذا الطريق يعالج القضية المذهبية على مستوى تجاوز الإطار المذهبي في الاعتماد على المصادر، وفي بياناته التي وجهها إلى الشعب العراقي في أيام المحنة، وفي معالجته الموضوعية للمسائل الخلافية.
ويجب أن نؤكد مرة أخرى على أنه يجب اعتبار حركة الإمام الشهيد الصدر في هذا المجال حركة تتّسم بأهمية خاصة بحيث يحق لها أن تتصدّر الخطوات الإيجابية الأخرى التي بدرت من علماء المسلمين الواعين من السنة والشيعة، وذلك لما يتمتع به الإمام الشهيد الصدر من موقع لدى الشيعة، ولما يمثل من شموخ وتبحّر في عالم المعرفة الإسلامية والبشرية، وكذلك الظروف السياسية والاجتماعية وأجواء الحوزات والمرجعيات التي قد لا تتقبّل انفتاحا كبيرًا بهذه الدرجة .
وحينئذ يجب أن ندخل هذه الحقائق في حسابنا عند دراستنا لخطواته التقريبية الجادة والهادفة بين المسلمين.
إن أهم خطواته العملية والتي تعتبر رائدة في هذا المجال يمكن تلخيصها بمايلي:
الأولى- من الملاحظ أن الامام الشهيد الصدر لم يقتصر في مؤلّفاته على الكتب الشيعية فقط بل اعتمد كذلك على كتب أهل السنة ومصادرهم معتبرًا الفقه الإسلامي كيانًا واحدًا مع مافيه من تعدد الاجتهاد والمذاهب، فمثلًا اعتمد في كتاب اقتصادنا في محاولته لبلورة النظام الاقتصادي الإسلامي على مجموعة من المصادر الإسلامية السنية، منها: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي. وكتاب المغني لابن قدامه، وكتاب الأُم للشافعي، وكتاب المحلّى، لابن حزم، والمدونة الكبرى، ومواهب الجليل للحطاب، ونهاية المحتاج للرملي، والمبسوط للسرخسي، والفقه على المذاهب الأربعة. وغيرها من المصادر السنية.
ولم يكن (رحمه الله) بصدد نقاش الآراء الفقهية للمذاهب الإسلامية، وإنما كان بصدد اكتشاف هيكلية النظام الاقتصادي الإسلامي.
ومع ذلك فنحن لا ننكر أن المصادر وطرق الاستنباط للأحكام الشرعية تختلف بين مدرسة أهل البيت وبين المذاهب الإسلامية الأخرى، سواء في القيمة العلمية للرأي الفقهي، أو في قيمة وحجة المصادر الروائية والفقهية، ومع ذلك فإننا على صعيد الواقع ننتهي إلى نتيجة واحدة.
إن هذا اللون من التفاعل الإيجابي والتعامل العلمي يجعل السني يشعر بأنّ لرأيه الفقهي أهمية وموقعًا عند أخيه الشيعي، وكذلك العكس. فيؤدي في النتيجة إلى روح التفاعل والانفتاح ويعزز روابط الأخوة، ويصدّع من قوة الحواجز النفسية.
ثانيًا - أصدر الامام الشهيد الصدر(رضي الله عنه) بيانًا وجّهه إلى الشعب العراقي (عام 1979م) وكا وقتها محتجزًا من قبل السلطة وذلك قبل استشهاده بعدة أشهر، حمل العبارات التالية:
«أيها الشعب العظيم، إني أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهادية، بكل فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنتك وشيعتك، لأن المحنة لا تخص مذهبًا دون آخر».
«وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء حين دافعت عن الرسالة التي توحّدهم جميعًا، وعن العقيدة التي تضمّهم جميعًا».
وفي مقطع آخر يقول: «فأنا معك يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي. إن الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنة أن المسألة مسألة شيعة وسنة ليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدو المشترك.
وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر: إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني، إن الحكم السني الذي مثّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل عليٌّ السيف للدفاع عنه إذ حارب جنديًا في حروب الردّة تحت لواء الخليفة الأول أبي بكر، وكلّنا نحارب عن راية الإسلام، وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي.
إن الحكم السني الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة - قبل نصف قرن - بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصًا من أجل الحفاظ على راية الإسلام ومن أجل حماية الحكم السني الذي كان يقوم على أساس الإسلام».

ومما لا ريب فيه أن هذه الوثيقة تعتبر من أهم الوثائق التي يمكن أن تساهم في معالجة الحواجز النفسية بين أبناء الأمة الإسلامة، وذلك لأن السيد الشهيد الصدر حينما أصدر هذا البيان كان قد صمّم على الاستشهاد في سبيل اللّه لإيمانه بأنّ المرحلة الجهادية والسياسية تتطلب ذلك.
رضوان الله تعالى عليه والسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
 
 
                                              المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
                                                               الشؤون الدولية




/110
 
https://taghribnews.com/vdchqmnmq23nkvd.4tt2.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز