تاريخ النشر2015 1 November ساعة 10:11
رقم : 210314

كبـاش دبلوماسـي، واستنـزاف عسكـري، والحـل عنـد أبو علي

تنا
ما نشهده اليوم من تطورات، هو مرحلة تصعيدية على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، تسعى من ورائها امبراطورية الشر والإرهاب إلى كسر شوكة روسيا وإفشالها في سورية والعراق بكل الوسائل والسبل الممكنة، لإنهاء حلمها بالشراكة مع أمريكا في إدارة شؤون العالم وحل أزماته وتقاسم النفوذ والمصالح، لأن في ذلك تنازل أمريكي عن عرش العالم واعتراف بروسيا دولة عظمى.
كبـاش دبلوماسـي، واستنـزاف عسكـري، والحـل عنـد أبو علي
أحمد الشرقاوي
كل هذا الضجيج والهرج والمرج الذي تموج به المنطقة وبعض عواصم الدول الغربية بشأن سورية يدخل في باب المزايدات السياسوية التي يسعى من خلالها كل طرف متدخل في الصراع، إلى إعطاء الانطباع الخادع بأنه هو أيضا فاعل مؤثر يتحكم في خيوط اللعبة، وبالتالي، لا يمكن تصور حل للمعضلة السورية من دون الأخذ برؤيته لمستقبل سورية ومصير السوريين من دون الأسد..

إلا أن كل المتدخلين من المخربين، حلفاء وأدوات، من بريطانيا وفرنسا و"إسرائيل" إلى مملكة الكبتاغون مرورا بقطر وانتهاءا بتركيا، هم عبارة عن كومبارس يعملون في الجوقة التي تديرها أمريكا.. وإلى أن يتم استبعاد المهرجين من خشبة المسرح وجلوس الروسي والأمريكي وجها لوجه في قاعة مغلقة لتدارس الحل في سورية والمنطقة، سيظل المنجمون يبشرون الناس بقرب التوصل للحل في سورية بسبب حمى التصريحات وفوضى اللقاءات الإقليمية والدولية التي توحي بذلك..

والمهم في كل هذا، هو أن الرؤية الأمريكية للحل في سورية لم تتغير حتى الآن، لأن لا يشيئ يمكن أن يدفعها لأن تفعل ذلك ما دامت مصالحها غير مهددة، وما دامت إدارة الصراع من الخلف تجنبها التورط المباشر في أتون الحرب، وما دام بمقدورها أيضا، وفق ما يسمح به نظامها البراغماتي المرن، تعديل استراتيجيتها في كل مرة تتعرض فيها لانتكاسة بما يتلاءم ومتغيرات الميدان، الأمر الذي يمكنها من استخدام ما تراه مناسبا من أوراق سياسية وأمنية وعسكرية لإفشال الخصم الذي تحول من إيران بالأمس إلى روسيا اليوم، ما وضع الأدوات أمام معضلة مواجهة روسيا بلحمها وشحمها بعد أن كانوا يعتقدون أن بمقدورهم إفشال إيران لإسقاط سورية فسقط رهانهم..

هذه هي اللعبة بالمختصر المفيد، وما نشهده اليوم من تطورات، هو مرحلة تصعيدية على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، تسعى من ورائها امبراطورية الشر والإرهاب إلى كسر شوكة روسيا وإفشالها في سورية والعراق بكل الوسائل والسبل الممكنة، لإنهاء حلمها بالشراكة مع أمريكا في إدارة شؤون العالم وحل أزماته وتقاسم النفوذ والمصالح، لأن في ذلك تنازل أمريكي عن عرش العالم واعتراف بروسيا دولة عظمى.

وبهذا المعنى، فإصرار أمريكا على رحيل الأسد لا يعني أن المسألة تتعلق بحسابات شخصية بين أوباما والرئيس السوري، لا إطلاقا، لأن أمريكا تتعامل في السياسة بمنطق العصابة التي تبعث بأحد المرتزقة بالوكالة، لقتل شخص رفض أو تخلف عن دفع الإتاوة، فيقول المجرم للضحية قبل الإجهاز عليه "اعذرني، المسألة ليست شخصية، إنه البزنس يا صديقي..

وترجمة ذلك بالسياسة، أن ما تريده أمريكا من الأسد هو أن يقبل بتغيير دوره ونقل بلده من محور الممانعة والمقاومة إلى محور الانبطاح والاستسلام ليلعب دور الوكيل في سورية كما هو حال بقية العملاء في المنطقة، غير ذلك، لا مكان للأسد في مستقبل سورية، لأنه هو المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل كما يقولون..
هذه هي العقدة الجوهرية بالمختصر المفيد.

وعلى هذا الأساس يمكن فهم زيارة وزير خارجية سلطنة عمان "بن علوي" لسورية واجتماعه أمس بالرئيس الأسد، ما يؤشر إلى أن أمريكا تراهن على ورقتين دبلوماسيتين عساهما يحققان لها الحد الأدنى من ما ترغب فيه دون أن تضطر إلى الرضوخ والجلوس مع الروسي كمنتصر في الحرب على الإرهاب..

الورقة الأولى، فتح نافذة للحوار غير المباشر مع دمشق عبر سلطنة عمان، كما فعلت مع إيران في ملفها النووي، ولا نعرف حتى الآن ما الذي اقترحه السيد بن علوي على الرئيس الأسد بالتحديد، وبالتالي، علينا انتظار الأيام المقبلة لتتكشف بعض من معالم هذه الزيارة المفاجئة، والتي يبدو من تصريحات الأسد التي أعقبتها، أن لا تغير ولا تبدل ولا تحول في موقف دمشق من ثوابت الحل السياسي كما تم تحديد مخرجاته مع روسيا وإيران، وأخذ أبو علي بوتين تفويضا من الرئيس الأسد لتسويقه دبلوماسيا والدفاع عنه عسكريا.

الورقة الثانية، فتح نافذة لشق التحالف الروسي – الإيراني من خلال استدعاء الوزير جون كيري للسيد محمد جواد ظريف ليمثل إيران في اجتماع فيينا ، باعتبارها حليفة سورية الأكثر انغماسا في الأزمة، برغم تحفظ "السعودية"، بل ورفضها المعلن لمشاركة إيران في أي حل سياسي يتعلق بسورية، هذا علما أن إيران هي التي تحارب الإرهاب بمعية حلفائها في المنطقة، ويستحيل نجاح أي حل سياسي في سورية أو العراق من دون مشاركتها.

وتسعى أمريكا من وراء ذلك، إلى التوصل لرؤية مشتركة مع الإيراني في سورية، مقابل حوافز معينة لانتزاع ورقة الحل السياسي من يد الروسي وفق معادلة (رابح – رابح) مع الإيراني، وهذا ما يفسر سبب رفض جون كيري الحضور شخصيا لاجتماع نادي باريس الثلاثاء مفضلا إرسال من يمثله، وتسعى فرنسا من خلال هذا اللقاء إلى محاولة فرض عودة أوروبا إلى الساحة الدولية عبر الملف السوري بعد أن تم تهميش دورها، مدعومة هذه المرة بالموقف الموحد من سورية بدون الأسد الذي تتبناه فرنسا وبريطانيا وألمانيا، و هو اللقاء الذي تم استدعاء مملكة الكبتاغون إليه من دون توجيه الدعوة لروسيا وإيران المعنيان أكثر من غيرهما بالموضوع السوري، وطبعا ما تسعى إليه فرنسا من وراء الدفع بالثقل الأوروبي في عملية الحل السياسي في سورية، هو الحرص على حصتها من الكعكة السورية من دون أن تفقد مصالحها مع "السعودية".

ويمكن القول، أن الورقتان معا، يدخلان في إطار الإستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية الجديدة التي تحاول من خلالها شق صف محور موسكو إيران، بالرهان على بعض الخلافات التي يروج لها من باب التضليل، ومفادها أن الروسي بدخوله إلى سورية يكون قد قزم الدور الإيراني، بسبب المخاوف الناجمة من إقدام طهران على منافسة روسيا في سوق الغاز الأوروبي، وهذا غير صحيح بالمرة، فالعلاقة بين البلدين أخذت مؤخرا بعدا إستراتيجيا في كل المجالات، وتم تجاوز الخلافات القديمة، وهناك تنسيق وثيق قائم بينهما في كل القضايا والملفات، بما يعزز من تحالفهما في إطار تعزيز التعاون بينهما برؤية تكاملية للمصالح المشتركة، من غير تنافس ولا صراع ولا من يحزنون.

وتجر الإشارة في هذا السياق، أن من يعتقدون أن روسيا وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تعد تراهن على الإديولوجيا في علاقتها مع الدول بل على المصالح البراغماتية التي تحركها.. إنما ينطلقون من فهم خاطئ للرؤية الروسية لطبيعة الصراع اليوم في العالم.. ذلك أن بوتين نجح في روسيا بعد أن أعاد لإديولوجية القومية الوطنية زخمها وأخرجها من غرفة الإنعاش حيث كانت تحتضر، وأعاد للدين في الحياة الاجتماعية دوره الأخلاقي والروحي، وعانق الإديولوجية الإيرانية التي تقول بمساعدة الشعوب المستضعفة في استعادة
حقها في تقرير مصيرها، واختيار نظام حكمها، وانتخاب من يمثلها دون تدخل خارجي، استنادا إلى شرعة الأمم والقانون الدولي الإنساني..

وهذا بالتحديد هو ما ترفعه موسكو كشعار اليوم في سورية والمنطقة، وقد ذهب بوتين حد القول في لقاء "فالداي" الأخير بـ"سوتشي حول موضوع "الشعوب بين الحرب والسلام"، أن “شعوب الشرق الأوسط، ولعقود طويلة، لم تكن تعرف حقيقة ما يجري في بلدانها”، في إشارة إلى أنها كانت مستعمرة بالوكالة ولم يحصل لديها الوعي بأنها لم تتحرر بعد من الهيمنة الإمبريالية، وأن لا مستقبل لها سوى أخذ زمام المبادرة لخوض معركة التحرر والتحرير، وروسيا لا تتدخل لتغيير الأنظمة بالقوة ضدا في إرادة الشعوب كما تفعل أمريكا الإستعمارية، ولا تطمع في نهب مقدراتها لأن لها من الخيرات ما يزيد عن حاجاتها لعقود طويلة قادمة، بل تسعى لتحقيق مصالحها في إطار ما يخدم مصالح الشعوب الصديقة أيضا، وأنها مستعدة لمساعدتها في الحفاظ على سيادتها إذا طلب منها ذلك، تماما كما حصل في سورية.

أما أمريكا، فواهم من يعتقد أنها تريد الخير للعرب والمسلمين، وآخر همها مصالح الشعوب وحقوقها، فهي تذبحهم دون رحمة من أجل مصالحها، وتخرب ديارهم وتطمس هوياتهم وتدمر حضاراتهم وتشوه ثقافاتهم لتسود ثقافتها وقيمها الليبرالية المتوحشة كأنموذج نهائي بديل ومعولم.

ومخطئ أيضا من يعتقد أن أمريكا تدمر المنطقة فقط من أجل أمن واستقرار "إسرائيل" وإن كان ذلك جزء من أمن ومصالح الولايات المتحدة بالتبعية، لأن هذا الكيان المجرم ليس أكثر من أداة لـ”صهيونية الروح” القابعة في أمريكا، ولا يعدو أن يكون مجرد قلعة عسكرية متقدمة، انتهى دورها بانتهاء الحرب الباردة من جهة، وبفشلها عسكريا في صياغة المنطقة وفق الرؤية الأمريكية التي تضمن لها الهيمنة المطلقة على جغرافيتها السياسية والاقتصادية، الأمر الذي تبين بجلاء بعد حرب تموز 2006 وحروب غزة التي غيرت من نتائج حرب 67 وقواعد الاشتباك التي أرستها حرب 73 في المنطقة، وفق اعتراف ‘كيسنجر’.

وعلينا أن لا ننسى أن هناك مسلمة ثابتة في العقيدة الصهيو – أمريكية تقول، بأن يهود فلسطين يمثلون "صهيونية الجسد" فقط، ومهما حصل لهم، فإن "صهيونية الروح" في أمريكا ستظل بعيدة عن الخطر، وسيكون بمقدورها تجديد هذا الجسد الذي تمثله ديمقراطية العسكر اليهودية في فلسطين، بكل السبل والوسائل الممكنة والمتخيلة..

وأصل هذه الرؤية اليهودية الجوهرية، يعود إلى زمن الفرعون المصري "بيبي الأول" حوالي 2400 سنة قبل الميلاد، الذي كان يجهز الجيوش ويشن الحروب بأموال المرابين اليهود الذين كانوا أول من أسس نظام البنك في العالم على ضفاف النيل لتمويل التجارة النهرية، وحين انتصر فرعون انقلب عليهم وسفك دمهم بسبب مغالاتهم في استنزاف الفلاحين والعمال المصريين الفقراء بالضرائب لاسترداد الأموال التي استثمروها في حروب فرعون أضعافا مضاعفة، ما أدى إلى خراب الاقتصاد المصري حينها..

وتكررت نفس التجربة في أوروبا مع فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول التي سلبت اليهود مذخراتهم وطردتهم إلى ألمانيا حيث أجهز عليهم هتلر في ما أصبح يعرف بـ”الهولوكوست” بعد أن اكتشف الجميع أن قوة اليهود المالية تقوم على خراب اقتصاد الدول وإفقار الشعوب، الأمر الذي دفعهم إلى الهروب نحو العالم الجديد في أقصى الغرب الأطلسي، بعد أن أدركوا أن نظام البنك لا يمكن أن يتطور ويزدهر من دون حماية عسكرية، فأسسوا نظام اقتصادي ليبرالي قوي محمي بقوة عسكرية جبارة في أمريكا، ونجحوا أيما نجاح في تحويل خيام الهنود الحمر بعد إبادتهم إلى ناطحات سحاب في ‘منهاتن’، وأصبحت الولايات المتحدة في بضع عقود أقوى دولة في العالم ورثت إمبراطورية فرنسا وبريطانيا معا، وأصبحت تتغذى على
دماء الشعوب في كل مكان، لأن النظام الليبرالي المتوحش لا يمكن أن يجدد نفسه وينمو ويزدهر إلا من اقتصاد الحروب وزرع الفوضى وتغذية النزاعات وإشغال الفتن لنهب خيرات الدول وسلب مقدرات الشعوب المستضعفة.

وإعلان سماحة السيد في كلمته ليلة عاشوراء أن العدو الحقيقي للأمة هي أمريكا المسؤولة عن كل الحروب والمآسي التي ضربت ولا زالت تعصف بالمنطقة، هو نقلة نوعية صائبة ودقيقة في رؤية حزب الله لطبيعة الصراع وحقيقة العدو، ما يسمح بالتمييز بين الرأس المدبر والمخطط الأصيل للفوضى والكوارث من جهة، والأدوات التنفيذية المساعدة من جهة ثانية، كما وأن تركيز سماحته على فضح وانتقاد “السعودية”، يؤكد أن لا فرق بين مملكة الشر والظلام والكيان الصهيوني المجرم من حيث الدور الوظيفي.. وبهذا التصويب، يكون سماحة السيد قد تبنى بشكل رسمي الرؤية الخمينية التي أكدت الأحداث صحتها، والتي كانت تقول بأن عدو الأمة الأول هو “الشيطان الأكبر” ثم “إسرائيل”، ومحاربة “إسرائيل” هي محاربة لمشروع الهيمنة الأمريكي في المنطقة..

وما تغير اليوم في حقيقة الأمر، هو دخول العامل التكفيري الوهابي كأداة تنفيذية في الصراع، ما يجعل من مملكة الكبتاغون عدوا في نفس مستوى “إسرائيل” إن لم يكن أكثر قليلا، ولهذا سمعنا جماهير المقاومة تخرق حجب السماء بهتافها وهي تردد بعد خطاب سماحته ليلة عاشوراء: "هيهات منا الذلة.. الموت لأمريكا.. الموت للإسرائيل.. الموت لآل سعود اليهود..

وبهذا، أصبت الرؤية موحدة على مستوى مكونات محور المقاومة من لبنان إلى اليمن، الأمر الذي يؤشر إلى أننا أمام ثقافة ثورية برؤية استراتيجية واضحة، تعتمد مبدأ وحدة ساحات المعركة، لأن العدو واحد، وسنرى تجسيدا لهذه الإستراتيجية من خلال توحيد العمل العسكري بين الجيش العربي وحزب الله من جهة والجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة ثانية في مواجهة الإرهاب الأمريكي والصهيو – وهابي في مرحلة أولى، في انتظار المفاجآت التي ستكون رهنا بالمستجدات وتطورات الأحداث، من الساحة اليمنية إلى الساحة التركية، وساحات أخرى لم يحن بعد وقت الحديث عنها كتثوير الأقليات في الخليج ومواجهة “إسرائيل” في الجولان في حال أخذت الأمور أبعادا دراماتيكية خطيرة.. وكل ذلك، وفق خطة تصعيدية مدروسة وضعها الروسي والإيراني لمواجهة التصعيد الأمريكي في المنطقة.

بمعنى، أنه إذا تدخل “السعودي” وزود التكفيريين في سورية بأسلحة مضادة للطائرات كما حدث في أفغانستان وأدى إلى هزيمة الاتحاد السوفياتي، فالرد سيكون حتما بتسليح أنصار الله والجيش اليمني في اليمن، بما يقلب المعادلات على الأرض وفي العمق السعودي رأسا على عقب، وينهي دور "آل سعود" ومستقبلهم السياسي في المنطقة، وطبعا بالطريقة التي تعتمدها أمريكا، أي الحرب بالوكالة، وهو الأمر الذي تفطن له الأمريكي فراح يضغط بقوة على "السعودي" كي ينهي تدخله العسكري في اليمن من خلال حل سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة، لسحب الورقة السعودية من يد الروسي لأنها تمس مصالح أمريكا في مقتل.

وهذا ما يفسر عدم استعمال الإرهابيين للمضادات الجوية التي استلموها من “السعودية” عبر تركيا قبل أربعة أشهر بالإضافة لمنظومات "سام – 8" و "سام – 9" التي استقدمتها مؤخرا من مخازن الجيش الأوكراني وفق ما أفادت صحيفة الأخبار اللبنانية اليوم، ووفق مصادر غربية، يبدو أن أمريكا هي من طلبت من أدواتها التريث في انتظار أن يتخذ الرئيس أوباما قرارا هذا الأسبوع للموافقة
على إرسال أرتال من الجيش الأمريكي إلى الحدود التركية مع سورية والعراق، بعد ما أكد تقرير البنتاغون لكونجرس نهاية الأسبوع، أن موازين القوى العسكرية انقلبت في سورية لصالح النظام والجيش العربي السوري.

وهو ما يفسر قرار وزير الحرب الأمريكي بتوحيد الجماعات والتنظيمات والفصائل الإرهابية في سورية وحثها عبر تركيا لتوجيه البندقية إلى الجيش العربي السوري، وإلقاء واشنطن لـ 2000 طن من السلاح من خلال طائراتها في الشمال السوري، وقالت صحيفة ‘واشنطن بوست’ إثر ذلك، أن لديها معلومات تفيد أن السلاح وقع بيد الإرهابيين من “جبهة النصرة”.

أما في تركيا، وبرغم المناوشات التي يقوم بها أردوغان من خلال قصف الأكراد في تل أبيض لمرتين، ودخول وخروج دباباته الأراضي السورية، والتصعيد في تصريحاته المناهضة للقصف الروسي للإرهابيين الذين ترعهم تركيا من خلال غرفة عمليات مشتركة مع المخابرات الأطلسية، إلا أن الرئيس بوتين لن يتسرع بشأنها في انتظار أن يرى نتائج الانتخابات التركية الأسبوع المقبل، حينها سيقرر على ضوء ما سترسو عليه السياسة التركية في العهد الجديد الرد المناسب لأي تصعيد محتمل..

نقول محتمل، لأن هناك حديث في واشنطن يدور حول إمكانية أن يستلم الجيش التركي الحكم في حال فشل أردوغان في تأليف حكومة تؤيد سياساته في سورية، وعمت الاضطرابات الداخل بشكل مخطط له، لتبقى تركيا في صلب الإستراتيجية الأمريكية، حينها يمكن الحديث عن الورقة الكردية التركية التي سيتم تفعيلها من خلال تزويد الأكراد بالسلاح النوعي وخلق الظروف المناسبة لتدويل قضيتهم ومطالبهم المحقة بحكم ذاتي في تركيا إن لم يستطيعوا الحصول على دولة مستقلة..

أما في سورية، فلا مشكلة في أن يكون لهم حكمهم الذاتي، ما دام يصب في صلب الحل السياسي لضمان حقوق الأقليات في إطار الدولة الوطنية العلمانية السورية، ولنا في ما يقع في إقليم كردستان العراق من انقسام وصراع وسقوط لمشروع دويلة العميل مسعود البرزاني الذي حاولت واشنطن فرضه بالضغط السياسي برغم انتهاء ولايته الرئاسية.. المثال الواضح على قدرة محور موسكو – طهران على إسقاط الأوراق الأمريكية الواحدة تلو الأخرى.

المهم أن الخيارات مفتوحة، هناك ما أصبح معروفا وما لا يزال طي الكتمان، وما خفي أعظم، نقول هذا لأن الأمريكي لن يقبل بهزيمة مذلة في سورية والعراق وانتصار مدوي روسي إيراني على الإرهاب في المنطقة، وهو ما يفسر قرار أوباما بخوض حرب استنزاف ضد الروسي لإفشاله، وفق ما صرح به للإعلام نهاية الأسبوع المنصرم، وسنرى إن كان سيتخذ قرارا بالانخراط العسكري في سورية والعراق هذا الأسبوع أم أنه سيظل وفيا لعقيدته التي تقول بضرورة إنهاء الوجود الأمريكي في مناطق الصراع قبل متم ولايته، وهو ما لا يبدو صحيحا بعد أن انقلب على قراره وقرر تمديد مهمة 9800 جندي أمريكي في أفغانستان إلى أن يستتب الأمن هناك بعد 15 سنة من الفشل الذريع الذي تجلى واضحا في سقوط ولاية قندوز، وهذا يعني أن أفغانستان أصبحت اليوم منصة مهمة لزعزعة استقرار روسيا والصين..

وبهذا أصبح اللعب على المكشوف.. فانتظروا مفاجآت أبو علي بوتين، الذي وضع الحل السياسي في جيبه، في انتظار أن ينهي الحرب على التكفيريين، والتي يبدو وفق ما أوردناه من معلومات ومعطيات، ستتطور لتشمل الأدوات أيضا، لأن بوتين لا يمزح، ولا يمكن أن يسمح لأمريكا أو غيرها باستنزافه من دون أن يضرب من يدعمون الإرهاب أيضا، تنفيذا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتي اتخذت تحت البند السابع..

وهذا هو معنى البيان الروسي الرسمي الذي صدر عن وزارة الخارجية الجمعة الماضية، والذي يحذر أمريكا من مغبة عدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتجفيف منابع الإرهاب فكرا وتمويلا وتسليحا..

المصدر : بانوراما الشرق الاوسط
https://taghribnews.com/vdca6wnuy49n6e1.zkk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز