تاريخ النشر2012 26 November ساعة 16:06
رقم : 116515
الكاتب المصري عبد الحليم قنديل

التّنابذ بالصواريخ

تنا - بيروت
لم يكُن للرعب الصاروخي من سابقة سوى صواريخ صدام حسين أوائل تسعينات القرن العشرين.. لذلك،نرجو التوقف عن لعبة التنابذ بالصواريخ،فصواريخ حماس هي إضافةٌ إلى صواريخ حزب الله،وفي ضرب إسرائيل فليتنافس المتنافسون..
طائرة إف 16 الإسرائيلية التي أسقتطها صواريخ المقاومين
طائرة إف 16 الإسرائيلية التي أسقتطها صواريخ المقاومين

ليست هذه لحظة للتنابذ بالألقاب، ولا بالطوائف، ولا بأسماء حركات المقاومة، ولا بمدى الصواريخ، ولا بأيهما وصل إلى تل أبيب أولاً.. حركة حماس أم حزب الله.

وصحيح أن الذراع العسكري لحركة حماس أبلى بلاء عظيما في المواجهة الأخيرة مع العدوان الإسرائيلي الهمجي المتصل، وصحيح أن قوة الردع الصاروخي عند 'حماس' تطــــورت كثيراً، وأثبتت أنه لم يعد بوسع إسرائيل أن تبدأ العدوان متى تشاء، وأن تنهيه حيث تشاء، فلم تستطع القوة الإسرائيلية أن تحقق أهدافها في تحطيم القوة العسكرية لحماس، ووجد القادة الإسرائيليون أنفسهم مجبرين على وقف إطلاق النار بنصيحة أمريكية، وبوساطة مصرية أرادت أن تثبت للأمريكيين كفاءة نظام مرسي في تنفيذ المطلوب،

وبعمل جهاز المخابرات المصرية، والذي كان يعتمد عليه المخلوع مبارك في تسويات الشأن الفلسطيني ـ الإسرائيلي .

وصحيح أن النصر الذي تحقق واضح المعالم، فلم يكسب الفلسطينيون أرضا جديدة من وطنهم المحتل بالكامل، لكنهم أعجزوا العدو الإسرائيلي عن تحقيق النصر، ودفعوه للتراجع عن إجتياح غزة، وكسبوا هدنة مؤقتـــة قد لا تطول، واســـتفادوا بوقت إضافي لتعزيز مقدرتهم العسكرية والصاروخية إستعدادا لجولات قادمة، وقد تحقق ذلك كله بفضل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، ومقدرته التي لا تنفــــد على تقبــل التضحيات بأقدار الرضا، فقد سقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، ودون أن يصاب الفلسطينيون بهلع كالذي إجتاح الإسرائيليين، ودفع بنصف اليهود المحتلين إلى الملاجئ فزعا ورعبا من صواريخ المقاومة الفلسطينية البطلة، والتي تدمر نفوس الإسرائيليين، وإن كانت لا تدمر أبدانهم بنفس القدر، فخسائر إسرائيل البشرية محدودة جداً، ولا تقارن ـ بأي معيار ـ إلى تضحيات الفلسطينيين المهولة.

كل هذا صحيح، لكنه لا يصح
أن يقود أحداً إلى إفراط في إرتياح، فالمهم أن صوت المقاومة المسلحة عاد ليعلو، وبعد أن جرى تغييبه طويلاً، والمهم أن ننظر إلى ما جرى بإعتباره معركة في حرب طويلة ممتدة، وأن نأخذ العظات والدروس، وأن ندرك حدود النصر الذي تحقق، فقد يكون فتح المعابر مفيداً في تفكيك حصار غزة، وهو مكسب مفيد تكتيكياً، لكن لا أحد يتوقع إلتزاماً إسرائيلياً دائماً بإتفاق.

ثم أن غزة ليست فلسطين، إنها مجرد جزء صغير جداً من فلسطين، ولا يصح النظر إليها كغاية في ذاتها، بل كقاعدة متقدمة للمقاومة في الداخل الفلسطيني، يفيدها النصر المعنوي الذي تحقق، وتعمل على إحياء إرادة المقاومة في فلسطين المحتلة كلها، وتعيد بناء خطوط إتصالها مع الفلسطينيين في الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، فليس المطلوب أن تصمد غزة وحدها، بل أن تنهض فلسطين كلها، وأن تسقط أولويات السلطتين في رام الله وغزة، وأن يعاد بناء حركة تحرير وطني فلسطيني، وبنهج المقاومة
المسلحة والمقاومة الجماهيرية معاً، وفي بيئة فلسطينية وعربية جد مختلفة.

صحيح أن النظم لم تتغير في أدائها البليد المتواطئ، وصحيح أن أغلبها في خانة 'النعاج' على حد وصف وزير الخارجية القطري لنفسه ولأقرانه، لكن الوضع في مصر بالذات يتغير في اللهجة على الأقل، وإن لم تصل التغيرات إلى اللغة بعد، ولا يزال المخاض عنيفاً متصلاً بإتجاه تخليص مصر من قيودها، وهذه التغيُّرات ـ في اللهجة ثم في اللغة ـ تصبُّ في مجرى إحياء المقاومة الفلسطينية بالذات.
ولأن التجديد أمرُ آخر غير التبديد، فلا يصح لأحد أن يقايض المستجد بالمستقر، ولا أن يصور الأمر على غير حقيقته، فالإحتمالات القوية لنشوء حاضنة عربية سياسية للمقاومة الفلسطينية المسلحة، وبأثر من المخاض العنيف في مصر بالذات.

هذه الحاضنة السياسية المتوقعة لا تعني الإستغناء أو التفريط في كسب تحقق من قبل، فقد سبقت ظاهرة المقاومة المسلحة إلى الوجود عربياً، وظهرت قبل المقاومة السياسية بتداعي الثورات العربية، والمطلوب
هو التكامل لا التنافر، المطلوب هو التجديد والإضافة وليس الحذف والتنكر، ففي اللحظة التي أخرجت فيها مصر من ساحة الصراع، وتحول نظامها إلى كنز إستراتيجي لإسرائيل بتداعيات معاهدة العار المعروفة بإسم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، في اللحظة نفسها، كانت الثورة الإسلامية تنتصر في إيران، وتخلع الشاه، وتقطع العلاقات مع إسرائيل، وتتطلع لتأكيد نفوذها بدور داعم للمقاومة على جبهة الصراع مع إسرائيل.

ومع زيادة قوتها العسكرية وتطور صناعاتها الحربية في العقدين الأخيرين بالذات، كانت إيران تضيف جديداً إلى قوة المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ووجد حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في إيران داعماً من الدرجة الأولى، ولعبت تلك العلاقة دورها المؤثر جداً في تطوير قدرات ردع من نوع مختلف عند المقاومة، فزادت قوة حزب الله حتى تحول إلى جيش كامل الأوصاف، وزادت قوة 'حماس' مع كسب موضع قدم آمن في غزة، وتداعت حروب من نوع مختلف، تعجز فيها إسرائيل عن تحقيق النصر، وعلى نحو ما جرى في حروب ٢٠٠٦ و٢٠٠٩ والعدوان الأخير
على غزة، والتي أظهرت فيها المقاومة الجديدة مقدرتها المتزايدة على الردع، ونشر الرعب في الداخل الإسرائيلي.

ولم يكن للرعب الصاروخي من سابقة سوى بصواريخ صدام حسين أوائل تسعينيات القرن العشرين، وإمتلكت المقاومة الجديدة ـ قبل الصواريخ ـ رعبا آخر للداخل الإسرائيلي، أخذ عنوان العمليات الإستشهادية التي ميّزت طريقة عمل حزب الله وحماس، ثم جرى تدعيم ثقافة الإستشهاد بسلاح الرعب الصاروخي الذي تطورت فعاليته، ولا يصح التنكر للإسهام الإيراني في التقدم الملموس، فقد كانت المحصلة عربية خالصة، فالمقاومة اللبنانية حزب عربي، والمقاومة الفلسطينية حزب عربي، وهما يحاربان لإستعادة أرض عربية لا أرض إيرانية.

ربما لذلك، نرجو التوقف عن لعبة التنابذ بالصواريخ، فصواريخ حماس إضافة لصواريخ حزب الله، وفي ضرب إسرائيل فليتنافس المتنافسون.

الكاتب المصري عبد الحليم قنديل

https://taghribnews.com/vdcizqazwt1azw2.scct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز