تاريخ النشر2012 19 September ساعة 15:09
رقم : 109645

الإساءة إلى المقدّسات

تنا - بيروت
الإساءة إلى المقدّسات
تحية الى الشاعر الكبير فايز خضور القائل «من أسلس الخدّ للصفع هان عليه إذا ما أداروه للكمع».
الإساءة الى المقدّس ليست مجرّد تعبير عن رفض المقدّس وعدم الإيمان به. إنها عنف معنوي وازدراء وتحقير للجماعة المؤمنة بهذا المقدّس، وأكثر من ذلك حرب نفسية تعمل على تحطيم نفسية الجماعة المستهدفة وكسر معنوياتها.
 

تتنوّع مقدّسات أي جماعة في مستوى قداستها، سواء كانت هذه المقدّسات دينية أو غير دينية. ولكل جماعة مقدّساتها التي تشكّل لأفرادها أهم الرموز المعبّرة عن وحدتها وهويتها. والجماعة هي التي تحدّد مستوى قداسة أي رمز من خلال ردود أفعالها حيال المس ّبأيّ من رموزها.
 

عندما
يتخاصم شخصان من دينين مختلفين، فإن تجديف أحدهما على نبي أو رسول دين الآخر يثير ردود فعل أقوى مما لو كان التجديف على الذات الإلهية، رغم أن الله يحتل المكانة الأرفع في معتقد كل منهما، ولأن النبي أو الرسول هو الذي يميّز هذه الجماعة عن غيرها أكثر من مفهوم الله الذي يجمع الكل على الاعتقاد به. 

لم يبق للمقدسات الدينية تأثير قويّ في الغرب،ونجد سيلاً كبيراً من النقد والتجريح والاستهزاء بكل الرموز الدينية المقدسة وخاصة المسيحية منها، وتنشر باستمرار في الصحف والمجلات وفي الكتب والدراسات والابحاث وعبر الافلام السينمائية.
 
أقامت السلطات السياسية في الغرب أنماطاً أخرى من المقدسات غير الدينية وأعلت من شأنها كثيراً وسنتّ القوانين والتشريعات التي تعاقب بشدة كل من ينتهكها. ففي الغرب يمكنك أن تنتقد وتستهزىء بأنبياء اليهود والتوراة والمسيح والإنجيل ومريم العذراء من دون أن يطالك أي قانون أو عقاب، لكن أي تشكيك في المحرقة (الهولوكوست) يعرّضك
للملاحقة والمحاسبة والاضطهاد! أي كلام يشتمّ منه موقف معادٍ للصهيونية، يحسبونه معاداة لليهودية والسامية ويحاسب عليه. 

لكن بغض النظر عن موقف الغربيين من المقدّسات الدينية في مجتمعاتهم، فإن مواقفهم من مقدّسات الشعوب الأخرى ليست عفوية ولا اعتباطية، بل تهدف الى تحقير هذه الشعوب وإذلالها واضعافها وقتل روحها ومقاومتها، لتكون فريسة سهلة لهم. وهي في سياق تنفيذ استراتيجيتهم ومخططاتهم ضد هذه الشعوب. 

هل المصادفة هي التي جمعت فيلم الإساءة إلى الرسول ليتزامن مع زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى لبنان؟! فبعد تحوّل الموقف السياسي للفاتيكان بما لايتوافق مع الأميركي والصهيوني، صدرت تصريحات الاسلام الاميركي لتبرئة الإدارة الأميركية وتوجيه غضبها ضد البابا، بدلاً من توجيهه ضدّ من سهّل الاساءة إلى الرسول العربي. وتهاجم هذه الجماعات مضمون الإرشاد الرسولي الذي يدعو الى الشركة والمحبة والابتعاد عن الطائفية والانفتاح
على المسلمين، والمناقض لمشروع التفتيت وتهجير المسيحيين الذي تعمل عليه أميركا والصهيونية. 

فهل تريد هذه الجماعات أن تؤكّد أن تماهيها مع المخططات الأميركية مطلق؟ 

يبدو أن الغرب بقيادة أميركا يضبط إيقاع انفعالات المقدّس بما يخدم مشاريعه، من خلال رموز وحركات لها حضورها الفاعل على الساحة الاسلامية، وطوّرت هذا الحضور عبر الاعلام وبواسطة فتات حسنات أموال النفط التي تقدّم إلى المحتاجين من قبل مؤسسات تابعة لها. 

في هذا السياق نفهم دعوة السيّد حسن نصرالله قائد المقاومة تعبيراً عن الغضب من الإساءة إلى الرسول، بأنها: 

١-تعرية الأنظمة العربية والتنظيمات العربية التي تحمل إسم الاسلام وتدّعي الدفاع عنه وهي بسبب تحالفها مع الأميركي عاجزة عن اتخاذ أدنى موقف في مواجهة هذه الإساءة الكبرى وهي إهانة لكل مسلم ولكل عربي ولكل إنساني. 

٢-توجيه الأنظار الى العدو الحقيقي، الإمبريالية الأميركية، المسؤولة ليس عن هذه الإساءة الأخيرة فحسب بل عن كل المصائب والويلات التي أصابتنا وتصيبنا منذ عقود. 

الإساءات التي يرعاها الغرب وينمّيها لا حدود لها. ألا يشكّل التطرف الديني وجماعاته التكفيرية المحتضنة من الغرب ووكلائه اساءة كبرى إلى مقدّسات الآخرين؟ ألا تنشأ هذه الجماعات على أساس الإساءة
الى مقدّسات كل من يخالفهم في المذهب والطريقة؟ ألا تعمل هذه الجماعات على محاربة شركاء الوطن وإلغائهم؟ 

الوطن مقدّس، واحتلاله انتهاك لكرامة كل المواطنين. 

الحياة مقدّسة، وقتل النفس بغير حق انتهاك لقداسة كبرى. 

هل نعدّد الجرائم والمجازر التي ارتكبتها الصهيونية في حق شعبنا؟ هل نعدّد الجرائم والمجازر التي ارتكبها الغرب الاستعماري وخاصة فرنسا وبريطانيا وأميركا في حق شعبنا ومعظم شعوب العالم؟ من دير ياسين الى صبرا وشاتيلا الى قانا وأخواتها الى...، ولا تزال جرائمهم مستمرة، ولا يزال قسم كبير من الشعب مستكينا ونائماً، ولا تزال معظم الانظمة العربية تهلل للأميركي وتضحك للصهيوني وتستهزىء بشعوبها ومقدساتها. 

مئة عام والغرب ينتهك حرمة اوطاننا فيقطّعها كما يشاء ، ونحن صامتون وقسم كبير «فعلة» لديه. 

أليس كل
ما يجري على ساحتنا منذ «سايكس – بيكو» إلى اليوم انتهاك للمقدّسات؟ ألسنا في حاجة إلى كتابة أسفار المجازر وتدوينها وحفر أسماء الشهداء على الصخور وفي القلوب وتعليم الاجيال «أخلاقيات» الغرب والصهيونية وأذنابهما؟!
الرموز المقدسّة الدينية هي عنصر جامع لوحدة المؤمنين، وهذه الوحدة هي لضمان قوّتهم وفرض احترامهم على الآخرين. الأدب واللياقة يفرضان احترام كل المقدّسات بغضّ النظر عن إيماننا بها، إنما احتراماً وتقديراً لمن يؤمن بها. 

الرموز المقدّسة الوطنية عنصر جامع لوحدة المواطنين، وهذه الوحدة ضمان قوتهم وعزّتهم. هل تداس كراماتنا ونسكت ؟ تنتهك حرماتنا ونبقى صامتين؟ نذبح كالنعاج ولا نصرخ ؟يزدرى بنا وبمقدساتنا الدينية والوطنية ونبقى نياماً؟
مقاومتنا عزتنا وطريق نصرنا. بناء وحدتنا وقوتنا المادية والنفسية وتقدّمنا العلمي والتقني يضمن احترامنا وعدم انتهاك مقدّساتنا. أما القوانين الدولية فلن تفيد في شيء، إذ نرى كيف تداس هذه القوانين من أميركا والغرب باستمرار. 

يقول العظيم سعادة: «القوّة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أوإنكاره».

المصدر: البناء - يوسف كفروني
https://taghribnews.com/vdceeo8znjh87pi.dbbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز